للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحكم (١)، وقد رأينا في زماننا من يجمع الكتب منهم ويكثر السماع ولا يفهم ما حصل، ومنهم من لا يحفظ القرآن، ولا يعرف أركان الصلاة.

فتشاغل هؤلاء على زعمهم بفروض الكفايات عن فروض الأعيان، وإيثار ما ليس بمهم على المهم: من تلبيس إبليس!

° والقسم الثاني: قوم أكثروا سماع الحديث ولم يكن مقصودهم صحيحًا، ولا أرادوا معرفة الصحيح من غيره بجمع الطرق، وإنما كان مرادهم العوالي والغرائب، فطافوا البلدان ليقول أحدهم: لقيت فلانًا ولي من الإسناد ما ليس لغيري، وعندي أحاديث ليست عند غيري.

وقد كان دخل إلينا إلى بغداد بعض طلبة الحديث، فكان يأخذ الشيخ فيقعده في الرقة، وهي البستان الذي على شاطئ دجلة فيقرأ عليه، ويقول في مجموعاته: حدثني فلان بالرَّقَّة، ويوهم الناس أنها البلدة التي بناحية الشام؛ ليظنوا أنه قد تعب في الأسفار لطلب الحديث، وكان يقعد الشيخ بين نهر عيسى والصراة ويقول حدثني فلان من وراء النهر، يوهم أنه قد عبر خراسان في طلب الحديث، وكان يقول حدثني فلان في رحلتي الثانية والثالثة، ليعلم الناس قدر تعبه في طلب العلم، فما بورك له ومات في زمان الطلب!

وهذا كله من الإخلاص بمعزل، وإنما مقصودهم الرياسة والمباهاة، ولذلك يتبعون شاذ الحديث وغريبه، وربما ظفر أحدهم بجزء فيه سماع أخيه المسلم فأخفاه


(١) ما ذكره المصنف -عفا الله عنه- عن المحدثين لا يُسلَّم، فلقد كان أغلب المحدثين هم حملة عقيدة السلف بالأسانيد المتصلة إلى رسول الله ، ثم دوّنوها في مصنفات خاصة، أو ضمن كتب السنة، فأدوها كما سمعوها، وكانوا أبعد الناس عن التشبيه، ثم إن نصوص الصفات الإلهية ليست من المتشابه، بل هي محكمة.

<<  <   >  >>