للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان أبو المعالي يقول: لقد خليت أهل الإسلام وعلومهم وركبت البحر الأعظم وغُصْت في الذي نهوا عنه، كل ذلك في طلب الحق وهربًا من التقليد، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطف بره فأموت على دين العجائز ويختم عاقبة أمري عند الرحيل بكلمة الإخلاص؛ فالويل لابن الجويني (١)!

وكان يقول لأصحابه: يا أصحابنا، لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما تشاغلت به (٢).

وقال أبو الوفاء بن عقيل لبعض أصحابه: أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض، فإن رضيت أن تكون مثلهم فكن، وإن رأيت أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت (٣)!

قال: وقد أفضى الكلام بأهله إلى الشكوك، وبكثير منهم إلى الإلحاد، تشم روائح الإلحاد في فلتات كلام المتكلمين، وأصل ذلك أنهم ما قنعوا بما قنعت به الشرائع، وطلبوا الحقائق وليس في قوة العقل إدراك ما عند الله من الحكم التي انفرد بها، ولا أخرج الباري من علمه لخلقه ما علمه هو من حقائق الأمور.


(١) ذكره ابن الجوزي في المنتظم (١٦/ ٢٤٥)، وابن تيمية في درء التعارض (٨/ ٤٧) وفي بيان تلبيس الجهمية (١/ ١٢٢)، وابن القيم في الصواعق المرسلة (١/ ١٦٧ - ١٦٨)، والذهبي في السير (١٨/ ٤٧١)، والسبكي في طبقات الشافعية (٥/ ١٨٥)، والسيوطي في صون المنطق (ص ١٨٣ - ١٨٤)، وغيرهم، بعضهم بلفظه وبعضهم بنحوه.
(٢) أخرجه ابن السمعاني في تاريخه كما في طبقات الشافعية للسبكي (٥/ ١٨٦)، وابن الجوزي في المنتظم (١٦/ ٢٤٥).
(٣) ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (١٣/ ٣٥٠) من غير أن ينسبه إلى ابن عقيل، وإنما قال: قطع بعض الأئمة، فذكره بنحوه. وذكره بنصه ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (١/ ١٥٢).

<<  <   >  >>