للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري: حدثنا مالك (١٣)؛ أنه بلغه: أن رسول الله أري أعمار الناس قبله -أو: ما شاء الله من ذلك- فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ [١] غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر، خيرًا [٢] من ألف شهر. وقد أسند من وجه آخر. وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأمة بليلة القدر، وقد نقله صاحب "العدة" أحد أئمة الشافعية عن جمهور العلماء، فالله أعلم. وحكي الخطابي عليه الإِجماع والذي دل عليه الحديث أنها كانت في الأمم الماضين كما هي في أمتنا.

قال أحمد بن حنبل (١٤): حدثنا يحيى بن سعيد، عن عكرمة بن عمار: حدثني أبو زميل سماك الحنفي: حدثني مالك بن مرثد بن عبد الله، حدثني مرثد [٣] قال: سألت أبا ذر قلت: كيف سألت رسول الله عن ليلة القدر؟ قال: أنا كنت أسال الناس عنها، قلت: يا رسول الله، أخبرني عن ليلة القدر، أفي رمضان هي أو في غيره؟ قال: "بل هي في رمضان". قلت: تكون مع الأنبياء ما كانوا، فإذا قبضوا رفعت؟ أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: "بل هي إلى هم القيامة". قلت؟ في أي رمضان هي؟ قال: "التمسوها في العشر الأول، والعشر الأواخر". ثم حدث رسول الله وحدث، ثم اهتبلت غفلته قلت: في أي العشرين هي؟ قال: "ابتغوها في العشر الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها". ثم حدث رسول الله ثم اهتبلت غفلته فقلت: يا رسول الله، أقسمت عليك بحقي عليك لما أخبرتني في أي العشر هي؟ فغضب علي غضبًا لم يغضب مثله منذ صحبته، وقال: "التمسوها في السبع الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها. ورواه النسائي عن الفلاس عن يحيى بن سعيد القطان، به.

ففيه دلالة على ما ذكرناه، وفيه أنها تكون باقية إلى يوم القيامة في كل سنة لا كما زعمه بعض طوائف الشيعة من رفعها بالكلية، على ما فهموه من الحديث الذي سنورده بعد من قوله : "فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم"؛ لأن المراد رفع علم وقتها عينًا. وفيه دلالة على أن ليلة القدر يختص وقوعها بشهر رمضان من بين سائر الشهور، لا كما روي عن ابن مسعود ومن تابعه من علماء أهل الكوفة، من أنها توجد في جميع السنة، وترتجي في جميع الشهور على السواء.


(١٣) أخرجه مالك في موطئه، في كتاب: الاعتكاف، باب: ما جاء في ليلة القدر، حديث (١٥) (١/ ٢٦٣) بنحو ذلك.
(١٤) المسند (٥/ ١٧١) (٢١٥٨١). والنسائي في الكبرى في كتاب: الاعتكاف، باب: ليلة القدر في رمضان، حديث (٣٤٢٧) (٢/ ٢٧٨).