للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي هي مذمومة، بمقتضى هذا الحديث، وهل هذا إلا كما قال القائل:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّيفَ يَنْقُصُ قَدْرُهُ … إِذَا قِيلَ: إِنَّ السَّيفَ أمْضَى مِنَ العَصَا

وقال آخر:

إِذَا أَنْتَ فَضَّلْتَ امْرَأً ذَا بَرَاعَةٍ … عَلى نَاقص، كَانَ المديحُ مِنَ النَّقْصِ

ثم الذي يفهم من ولاية الألف الشهر المذكورة في الآية هي أيام بني أمية، والسورة مكية، فكيف يخال على ألف شهر هي دولة بني أمية، ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها، والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من الهجرة، فهذا كله مما يدل على ضعف هذا الحديث ونكارته، والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم (٤): حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا مسلم - يعني ابن خالد - عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن النبي ذكر رجلًا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، قال: فعجب المسلمون من ذلك، قال: فأنزل الله ﷿: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيلَةُ الْقَدْرِ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر.

وقال ابن جرير (٥): حدثنا ابن حميد، حدثنا حكام بن سلم، عن المثنى بن الصباح، عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجلٌ يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية: ﴿لَيلَةُ الْقَدْرِ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل.

وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس، أخبرنا ابن وهب، حدثني مسلمة بن عُلَي، عن علي بن عروة قال: ذكر رسول الله يومًا أربعة من بني إسرائيل، عبدوا الله ثمانين عامًا، لم يعصوه طرفة عين فذكر: أيوب، وزكريا، وحزقيل بن العجوز، ويوشع بن نون. قال: فعجب أصحاب رسول الله من ذلك، فأتاه جبريل فقال: يا محمد؛ عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين [١] سنة، لم يعصوه طرفة عين، فقد أنزل الله خيرًا من ذلك. فقرأ عليه: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيلَةُ الْقَدْرِ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك. قال: فسر بذلك رسول الله والناس معه.


(٤) أخرجه البيهقي في سننه (٤/ ٣٠٦) كتاب الصيام، باب: فضل ليلة القدر، من طريق مسلم بن خالد، وزاد السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٦٢٩) نسبته إلى ابن المنذر. قال البيهقي: وهو مرسل.
(٥) أخرجه الطبري (٣٠/ ٢٥١ - ٢٦٠).