ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا [من هذا الوجه][١] من حديث القاسم بن الفضل، وهو ثقة وثقه يحيى القطان وابن مهدي. قال: وشيخه يوسف بن سعد - ويقال: يوسف بن مازن - رجل مجهول، ولا نعرف هذا الحديث، على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه.
وقد روى هذا الحديث الحاكم في مستدركه (٣)، من طريق القاسم بن الفضل، عن يوسف بن مازن، به. وقول الترمذي: إن يوسف هذا مجهول - فيه نظر، فإنه قد روى عنه جماعة، منهم: حماد بن سلمة، وخالد الحذاء، ويونس بن عبيد. وقال فيه يحيى بن معين: هو مشهور، وفي رواية عن ابن معين: هو ثقة. ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل، عن عيسى بن مازن، كذا قال، وهذا يقتضي اضطرابًا في هذا الحديث، والله أعلم. ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدًّا، قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة [٢] أبو الحجاج المزي: هو حديث منكر.
قلت: وقول القاسم بن الفضل الحداني: إنه حسب مدة بنى أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يومًا [٣]، ولا تنقص، ليس بصحيح، فإن معاوية بن أبي سفيان ﵁ استقل بالملك [٤] حين سلم إليه الحسن بن علي الإِمرة سنة أربعين، واجتمعت البيعة لمعاوية، وسمي ذلك عام الجماعة، ثم استمروا فيها [٥] متتابعين بالشام وغيرها، لم تخرج عنهم إلَّا مدة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين والأهواز، وبعض البلاد قريبًا من تسع سنين، لكن لم تزل يدهم [٦] عن الإِمرة بالكلية، بل عن بعض البلاد، إلى أن استلبهم بنو العباس الخلافة [][٧] سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة، وذلك أزيد من ألف شهر، فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، وكأن القاسم بن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير، وعلى هذا فتقارب ما قاله للصحة في الحساب، والله أعلم.
ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم دولة بني أمية، ولو أريد ذلك لم يكن بهذا السياق، فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذم أيامهم، فإن ليلة القدر شريفة جدًّا، والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر، فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أمية
(٣) والحاكم (٣/ ١٧٠ - ١٧١). قال الحاكم: هذا إسناد صحيح، وهنا القائل للحسن بن علي هذا القول هو سفيان بن الليل صاحب أبيه. وتعقبه الذهبي بقوله: وروى عن يوسف نوح بن قيس أيضًا وما علمت أن أحدًا تكلم فيه، والقاسم وثقوه، رواه عنه أبو داود والتبوذكي، وما أدرى آفته من أين.