فعمل الرهبان ومن شابههم، وإن فرض أنهم مخلصون [١] فيه لله، فإنه لا يتقبل منهم حتى يكون ذلك متابعًا للرسول، ﷺ، المبعوث إليهم والي الناس كافة، وفيهم وأمثالهم قال الله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)﴾، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئًا﴾ و [قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (٣) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (٤) تُسْقَى مِنْ عَينٍ آنِيَةٍ (٥)﴾] [٢]. وروي عن أمير المؤمنين عمر، ﵁، أنه تأوّلها في الرهبان كما سيأتي.
وأما إن كان العمل موافقًا للشريعة في الصورة الظاهرة، ولكن لم يخلص عامله القصد لله تعالى فهو أيضًا مردود على فاعله، وهذا حال [المرائين والمنافقين] كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلا قَلِيلًا (١٤٢)﴾ وقال تعالى: ﴿فَوَيلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (٧)﴾ ولهذا قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾.
وقوله: ﴿فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ضَمِن لهم تعالي علي ذلك تحصيل الأجور، وآمنهم مما يخافون من المحذور فـ: ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيهِمْ﴾ فيما يستقبلونه، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ علي ما مضى مما يتركونه. كما قال سعيد بن جبير فـ: ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيهِمْ﴾ يعني في الآخرة ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يعني: لا يحزنون][٣] للموت.
وقوله تعالى: ﴿وَقَالتِ الْيَهُودُ لَيسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيءٍ وَقَالتِ النَّصَارَى لَيسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ يبين [٤] به تعالي تناقضَهُم، وتباغضَهُم، وتعاديهم، وتعاندهم، كما قال محمد بن إسحاق (٦٦٧): حدّثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة -أو سعيد بن جبير- عن ابن عباس قال: لما قدم أهل نجران من النصاري علي رسول الله ﷺ، أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول الله ﷺ، فقال رافع بن حُرَيملة: ما أنتم علي شيء، وكَفَرَ بعيسى وبالإنجيل، وقال رجل من أهل نجران من النصاري لليهود: ما أنتم علي شيء وجَحَدَ بنبوّة موسى، وكفر بالتوراة. فأنزل الله تعالى