للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقنع رأسه، وَتَدثّر، فأنزل اللَّه: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾.

فقوله: ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾، أي: شمر عن ساق العزم، وأنذر الناس. وبهذا حصل الإِرسال، كما حصل بالأول النبوة. ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ أي: عظم.

وقوله: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، قال الأجلح الكندي عن عكرمة، عن ابن عباس: إنه أتاه رجل فسأله عن هذه الآية: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، قال: لا تلبسها على معصية ولا على غَدْرة [١]. ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة [٢] الثقفي:

فإني [٣] بحمد اللَّه لا ثَوبَ فَاجر … لبستُ، ولا من غَدْرَة [٤] أتَقَنّع

وقال ابن جريج [٥] عن عطاء، عن ابن عباس: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، قال: في كلام العرب: نَقِيّ الثياب. وفي رواية بهذا الإسناد: فطهر من الذنوب. وكذا قال إبراهيم، والشعبي، وعطاء.

وقال الثوري [٦] عن رجل، عن عطاء، عن ابن عباس في هذه الآية: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، قال: من الإثم. وكذا قال إبراهيم النخعي. وقال مجاهد: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، قال: [نفسك، ليسَ ثيابه] [٧]. وفي رواية عنه: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾: عملك فأصلح. وكذا قال أبو رزين، وقال في رواية أخرى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، أي: لست بكاهن ولا ساحر، فأعرض عما قالوا. وقال قتادة: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، أي: طهرها من المعاصي، وكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث [٨] ولم يَف بعهد اللَّه إنه لَمُدَنّس الثياب، وإذا وفى وأصلح إنه لمطهر الثياب. وقال عكرمة والضحاك: لا تلبسها على معصية.

وقال الشاعر:

إذا المرءُ لم يَدْنَس منَ اللُؤم عرْضُه … فَكلّ ردَاء يَرْتَديه جَميلُ

وقال العوفي: عن ابن عباس: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾: لا تكُ ثيابك التي تلبس من مكسب [٩] غير طائب [١٠]، ويقال: لا تلبس ثيابك على معصية. وقال محمد بن سيرين: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ أي: اغسلها بالماء. وقال ابن زيد: كان المشركون لا يتطهرون، فأمره اللَّه أن يتطهر وأن يطهر ثيابه. وهذا القول اختاره ابن جرير، وقد تشمل الآية جميع ذلك مع


[١]- في ز: عذرة.
[٢]- في ز، خ: مسلمة.
[٣]- في ز، خ: إني.
[٤]- في ز: عذرة.
[٥]- في خ: جرير.
[٦]- في ز، خ: البردي.
[٧]- في خ: يغسل لبس ثيابه.
[٨]- في ز: سكت.
[٩]- في ز، خ: مليسة.
[١٠]- في ز، خ: طايل.