للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿لَأَسْقَينَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾، أي: كثيرًا. والمراد بذلك سَعَة الرزق، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾، وكقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾. وعلى هذا يكون معنى قوله: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾، أي: لنختبرهم، كما قال مالك: عن زيد بن أسلم: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ﴾: لنبتليهم، مَن يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية؟

ذكر من قال بهذا القول

قال العوفي عن ابن عباس: ﴿وَأَلَّو اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾: يعني بالاستقامة: الطاعة. وقال مجاهد: ﴿وَأَلَّو اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾، قال: الإسلام. وكذا قال سعيد بن جُبير، وسعيد بن المسيب، وعطاء، والسدي، ومحمد بن كعب القرظي.

وقال قتادة: ﴿وَأَلَّو اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ يقول: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا.

وقال مجاهد: ﴿وَأَلَّو اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾، أي: طريقة الحق. وكذا قال الضحاك، واستشهد على ذلك بالآيتين اللتين ذكرناهما، وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾، أي: لنبتليهم به. وقال مقاتل [١]: نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين.

والقول الثاني: ﴿وَأَلَّو اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾: الضلالة ﴿لَأَسْقَينَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾، أي: لأوسعنا عليهم في الرزق استدراجًا، كما قال: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾. وكقوله: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ وهذا قول أبي مِجْلز لاحق بن حُميد، فإنه قال في قوله: ﴿وَأَلَّو اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾، أي: طريقة الضلالة. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس، وزيد بن أسلم، والكلبي، وابن كيسان. وله [٢] اتجاه، ويتأيد بقوله: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾.

وقوله: ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ [٣] عَذَابًا صَعَدًا﴾، أي: عذابًا شاقًّا [٤] شديدًا موجعًا مؤلمًا. قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وابن زيد: ﴿عَذَابًا صَعَدًا﴾ أي: مشقة لا راحة معها. وعن ابن عباس: جبل في جهنم، وعن سعيد بن جبير: بئر [٥] فيها.


[١]- في خ: مجاهد.
[٢]- في ز: لا.
[٣]- في ز: نسلكه.
[٤]- في ز: مشقا.
[٥]- سقط من ز.