للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد قد اتخذت المقاعد في السماء الدنيا، يستمعون ما يحدث في السماء من أمر، فلما بعث الله محمدًا نبيًّا، رُجموا ليلة من الليالي، فنزع لذلك أهل الطائف، فقالوا: هلك أهل السماء؛ لما رأوا من شدة النار في السماء واختلاف الشهب، فجعلوا يعتقون أرقاءهم ويُسَيبون مواشيهم، فقال لهم عبد ياليل بن عمرو بن عمير: ويحكم بها معشر أهل الطائف، أمسكوا عن أموالكم، وانظروا إلى معالم النجوم، فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها فلم يهلك أهل السماء، إنما هذا من أجل ابن أبي كبشة -يعني محمدًا وإن أنتم لم تروها فقد هلك أهل السماء. فنظروا فرأوها، فكفوا عن أموالهم. وفزعت الشياطين في تلك الليلة، فأتوا إبليس فحدثوه بالذي كان من أمرهم، فقال: أئتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها. فأتوه فشئم فقال: صاحبكم بمكة. فبعث سبعة نفر من جن نصيبين، فقوموا مكة فوجدوا رصعول الله قائما يصلي في المسجد الحرام يقرأ [١] القرآن، فدنوا [٢] منه حرصًا على القرآن حتى كادت كَلاكِلهم تصيبه، ثم أسلموا. فأنزل الله تعالى أمرهم على نبيه ، وقد ذكرنا هذا الفصل مستقصى في أول البعث من [٣] كتاب السيرة المطول، والله أعلم، ولله الحمد والمنة.

﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (١١) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (١٢) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (١٣) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥) وَأَلَّو اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَينَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧)

يقول تعالى مخبرًا عن الجن: إنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ [أي: غير ذلك] [٤] ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾، أي: طرائق متحددة مختلفة وآراء متفرقة.

قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ أي: منا المؤمن ومنا الكافر.

وقال أحمد بن سليمان النَّجاد في أماليه: حدثنا أسلم بن سَهل بحشل حدثنا علي بن


[١]- في ز: يقرأن.
[٢]- في خ: فقدموا.
[٣]- في ز، خ: في.
[٤]- سقط من ز، خ.