للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورواه أبو يعلى (٤٥)، عن القاسم بن يَحْيَى، عن الوليد بن مسلم، به، وفيه رجل مبهم، فالله أعلم.

وقوله: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾، أي: في الدار الآخرة بإجرامهم وتكبرهم في الدُّنيا، فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه، ولما دعوا إلى السُّجود في الدُّنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم، كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة، إذا تجلى الرب ﷿ فسجد له المؤمنون، لا يستطع أحد من الكافرين ولا المنافقين أن يسجدَ، بل يعود ظهر أحدهم طبقًا واحدًا، كما أراد أحدهم أن يسجد خَرَّ لقفاه، عكس السُّجود، كما كانوا في الدُّنيا، بخلاف ما عليه المؤمنون.

ثم قال تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ يعني: القرآن، وهذا تهديد شديد أي: دعني وإياه مني ومنه. أنا أعلم به كيف أستدرجه، وأمده في غيه وأنظره [١]، ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر. ولهذا قال: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾، أي: وهم لا يشعرون، بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة، وهو في نفس الأمر إهانة، كما قال: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ وقال: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾. ولهذا قال ها هنا: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيدِي مَتِينٌ﴾، [أي: وأؤخرهم وأنظرهم وأمدهم، وذلك من كيدي ومكري بهم، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ كَيدِي مَتِينٌ﴾] [٢] أي: عظيم لمن خالف أمري، وكذب رسلي، واجترأ على معصيتي.

وفي الصحيحين (٤٦) عن رسول الله أنَّه قال: "إن الله ليملي للظالم، حتَّى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.

وقوله: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾، تقدم تفسيرهما في سورة الطور. والمعنى في ذلك: أنك يا محمَّد تدعوهم إلى الله ﷿ بلا أجر تأخذه منهم، بل ترجو ثواب ذلك عند الله ﷿ وهم يكذبون بما جئتهم به، بمجرد الجهل والكفر والعناد.


(٤٥) أخرجه أبو يعلى (١٣/ ٢٦٩) (٧٢٨٣).
(٤٦) أخرجه البُخاريّ في كتاب: التفسير، باب: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾، حديث (٤٦٨٦) (٨/ ٣٥٤). ومسلم في كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، حديث (٦١/ ٢٥٨٣) (١٦/ ٢٠٥ - ٢٠٦). كلاهما من حديث أبي موسى الأشعري .