بالطاعة حيث لا تنفع، وندموا واعترفوا حيث لا ينجع، ولهذا قالوا: ﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ﴾، أي: يلوم بعضهم بعضًا على ما كانوا أصروا عليه من منع المساكين من حق الجَذَاذ، فما كان جواب بعضهم لبعض إلَّا الاعتراف بالخطيئة والذنب، ﴿قَالُوا يَاوَيلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾، أي: اعتدينا وبَغَينا وطغينا وجاوزنا الحد حتَّى أصابنا ما أصابنا، ﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾، قيل: رغبوا في بدلها لهم في الدُّنيا. وقيل: احتسبوا ثوابها في الدار الآخرة، والله أعلم.
ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد [١] كانوا من: أهل اليمن، قال سعيد بن جبير: كانوا من قرية يقال لها: ضروان، على ستة أميال من صنعاء. وقيل: كانوا من أهل الحبشة، وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنَّة، وكانوا من أهل الكتاب، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة، فكان ما استغله [٢] منها يرد فيها ما يحتاج إليه ويدّخر لعياله قوت سنتهم، ويتصدق بالفاضل. فلما مات وورثه بنوه، قالوا: لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئًا للفقراء، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا. فلما عزموا على ذلك عُوقِبوا بنقيض قصدهم، فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية، و [٣] رأس المال والربح والصدقة، فلم يبق لهم شيء.
قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾، أي: هكذا عذاب من خالف أمر الله، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه، ومنع حق المساكين والفقراء، وذوي الحاجات، وبدل نعمة الله كفرًا ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾، أي: هذه عقوبة الدُّنيا كما سمعتم، وعذاب الآخرة أشق. وقد ورد في حديث رواه الحافظ البيهقي [٤](٤٠) من طريق جعفر بن محمَّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده: أن [٥] رسول الله ﷺ نهى عن الجَذَاذ دالليل، والحصاد بالليل.