للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الله : "إياكم والمعاصي، أن العبد ليذنب الذنبَ فيحرم به رزقًا قد كان هُيِّء له"، ثم تلا رسول الله : ﴿فَطَافَ عَلَيهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾، قد حُرموا خَير جنَّتهم بذنبهم (٣٩).

﴿فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ﴾، أي: لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضًا ليذهبوا إلى الجَذاذ، ﴿أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ﴾، أي: تريدون الصرام. قال مجاهد: كان حرثهم عِنبًا ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾، أي: يتناجون فيما بينهم بحيث لا يُسمعون أحدًا كلامهم. ثم فسر الله عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به، فقال: ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيكُمْ مِسْكِينٌ﴾، أي: [يقول بعضهم لبعض] [١]: لا تمكنوا اليوم فقيرًا يدخلها عليكم! قال الله تعالى: ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ﴾، أي: قوة وشدة. وقال مجاهد: ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ﴾، أي جِد. وقال عكرمة: غيظ. وقال الشعبي: ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾: على المساكين. وقال السدي: ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾، أي: كان اسم قريتهم "حرد". فأبعد السدي في قوله هذا!

﴿قَادِرِينَ﴾، أي: عليها فيما يزعمون ويَرومون. ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ﴾، أي: فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها، وهي على [٢] الحالة التي قال الله ﷿ قد استحالت عن تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء مُدْلَهمة، لا يُنتَفع بشيء منها، فاعتقدوا أنهم قد أخطئوا الطَّريق. ولهذا قالوا: ﴿إِنَّا لَضَالُّونَ﴾، أي: قد سلكنا إليها غير الطَّريق فتهنا عنها. قاله ابن عباس وغيره. ثم رجعوا عما كانوا فيه، وتيقنوا أنَّها هي فقالوا: ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾، أي: بل هذه هي، ولكن نحن لا حَظّ لنا ولا نصيب.

﴿قَال أَوْسَطُهُمْ﴾، قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومحمد بن كعب، والربيع بن أَنس، والضَّحَّاك، وقتادة: أي أعدلهم وخيرهم: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾، قال مجاهد، والسدي، وابن جريج: ﴿لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾، أي: لولا تستثنون، قال السدي: وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحًا.

وقال ابن جريج: هو قول القائل: أن شاء الله.

وقيل: معناه: ﴿قَال أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾، أي: هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم، ﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾، أتوا


(٣٩) ذكره السيوطي في "الدر" (٦/ ٣٩٥) وزاد نسبته إلى ابن مردويه من حديث ابن مسعود.