للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدثنا المسعودي، عن جامع بن شداد [١]، عن الأسود بن هلال، قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: يا أبا عبد الرحمن؛ إني أخاف أن أكون قد هلكت! فقال له عبد الله: وما ذاك؟ قال: سمعت الله يقول: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وأنا رجل شحيح، لا أكاد أن أخرج من يدي شيئًا! فقال عبد الله: ليس ذلك بالشح الذي ذكر الله في القرآن، إنما الشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلمًا، ولكن ذلك البخل، وبئس الشيء البخل.

وقال سفيان الثوري: عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن أبي الهياج الأسدي، قال: كنت أطوف بالبيت،، فرأيت رجلًا يقول: اللَّهم؛ قني شح نفسي. لا يزيد على ذلك، فقلت له، فقال: إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل - وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف .. ورواه ابن جرير (٥٦).

وقال ابن جرير (٥٧): حدثني محمد بن إسحاق، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، حدثنا إسماعيل بن عَياش [٢]، حدثنا مُجمع بن جارية [٣] الأنصاري، عن [عمه يزيد بن جارية] [٤]، عن أنسِ بن مالك، عن رسول الله قال: "بَرئ من الشح مَن أدَّى الزكاة وقَرَى الضيف، وأعطى في النائبة".

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾: هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء، وهم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم التابعون بإحسان، كما قال في آية براءة: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾، فالتابعون لهم بإحسان هم: المتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة، الداعون لهم في السر والعلانية. ولهذا قال، في هذه الآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ﴾، أي: قائلين: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا﴾ أي: بغضًا وحسدًا ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وما أحسن ما استنبط الإِمام مالك من هذه الآية الكريمة: أن الرافضي الذي


(٥٦) - أخرجه الطبري (٢٨/ ٤٣) وإسناده حسن من أجل طارق بن عبد الرحمن فهو صدوق له أوهام، وروى له الجماعة.
(٥٧) - أخرجه الطبري (٢٨/ ٤٣ - ٤٤). وفي إسناده إسماعيل بن عياش وفي روايته عن الحجازيين ضعف.