والشرع في حَد، أي: مجانبون للحق مشاقون له، هم في ناحية والهدى في ناحية، ﴿أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾، أي: في الأشقياء المبعَدين المطرودين عن الصواب، الأذلين في الدنيا والآخرة.
﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾، أي: قد حكم وكتب في كتابه الأول وقَدَره الذي لا يُخالف ولا يمانع ولا يبدل، بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، وأن العاقبة للمتقين، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾. وقال هاهنا: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَويٌّ عَزِيزٌ﴾، أي: كتب القوي العزيز أنه الغالب لأعدائه، وهذا قدر محكم وأمر مبرم، أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والآخرة.
وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره: أنزلت هذه الآية: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح، حين قتل أباه يوم بدر. ولهذا قال عمر بن الخطاب ﵁ حين جعل الأمر شورى بعده في أولئك الستة ﵃: ولو كان أبو عبيدة حيًّا لاستخلفته.
وقيل في قوله: ﴿وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ﴾: نزلت في أبي عبيدة، قتل أباه يوم بدر. ﴿أَوْ أَبْنَاءَهُمْ﴾: في الصديق، هَمَّ يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن، ﴿أَوْ إِخْوَانَهُمْ﴾: في مصعب بن عمير، قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ. ﴿أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾: في عمر، قتل قريبًا له يومئذ أيضًا، وفي حمزة وعليّ وعبيدة بن الحارث، قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ، والله أعلم.
قلت: ومن هذا القبيل حين استشار رسول الله ﷺ المسلمين [١] في أسارى بدر فأشار الصديق بأن يفادوا فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين وهم بنو العم