للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخيه" (٣٣). ولهذا أشباه كثيرة، ولهذا قال: ﴿فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾.

قال قتادة: نزلت هذه الآية في مجالس الذكر، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلًا ضَنوا بمجالسهم عند رسول الله ، فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض.

وقال مقاتل ابن حيان: أنزلت هذه الآية يوم جُمُعة وكان رسول الله يومئذ في الصفة، وفي المكان ضيق، وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء أناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس، فقاموا حيال رسول الله ، فقالوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فرد النبي عليهم، ثم سلموا على القوم بعد ذلك، فردوا عليهم، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم، فعرف النبي ما يحملهم على القيام، فلم يُفسَح لهم، فشق ذلك على النبي فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار، من غير أهل بدر: "قم يا فلان، وأنت يا فلان". فلم يزل يقيمهم بعدّة النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين والأنصار أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه، وعرف النبي الكراهة في وجوههم، فقال المنافقون: ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس؟ والله ما رأيناه قبلُ عدلَ علن هؤلاء، إن قومًا أخذوا مجالسهم واحبوا القرب لنبيهم، فأقامهم وأجلس من أبطأ عمه. فبلغنا أن رسول الله قال: "رحم الله رجلًا فَسَح لأخيه". فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعًا، فَتَفَسَّحَ القومُ لإِخوانهم، ونزلت هذه الآية يوم الجمعة. رواه ابن أبي حاتم.

وقد قال الإمام أحمد والشافعي: حدثنا سفيان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله قال: "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا" (٣٤). وأخرجاه في الصحيحين من حديث نافع به (٣٥).

وقال الشافعي: أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله قال: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم


(٣٣) - أخرجه مسلم في كتاب: الذكر، باب: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، حديث (٣٨/ ٢٦٩٩) (١٧/ ٣٤ - ٣٦).
(٣٤) - أخرجه أحمد (٢/ ١٦، ٢٢، ٣٢، ٤٥، ١٠٢، ١٢١، ١٢٤، ١٢٦، ١٤٩)، والشافعي (٦٦٣). كلاهما من طرق عن نافع به نحوه ومثله.
(٣٥) - وأخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب: (٣٢)، حديث (٦٢٧٠) (١١/ ٦٢).
وأخرجه مسلم في كتاب: السلام، باب: تحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه، حديث (٢٧، ٢٨/ ٢١٧٧) (١٤/ ٢٢٩ - ٢٣١) كلاهما من طريق نافع عن ابن عمر أيضًا نحوه ومثله.