للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن جرير: حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن رسول الله بينما هو جالس مع أصحابه، إذ أتى عليهم يهودي فسلّم عليهم، فردوا عليه، فقال نبي الله : "هل تدرون ما قال: "قالوا: سلم يا رسول الله. قال: "بل قال: سام عليكم" أي: تسامون دينكم. قال رسول الله: "ردوه". فردوه عليه، فقال نبي الله: "أقلت: سأم عليكم؟ " قال: نعم. فقال رسول الله : "إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا: عليك" أي عليك ما قلت. وأصل حديث أنس مخرج في الصحيح (٢٢)، وهذا الحديث في الصحيح عن عائشة نحوه [١] (٢٣).

وقوله: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾، أي: يفعلون هذا، ويقولون ما يحرفون من الكلام وإيهام السلام، وإنما هو شتم في الباطن، ومع هذا يقولون في أنفسهم: لو كان هذا نبيًّا لعذبنا الله بما نقول له في الباطن، لأن الله يعلم ما نسره، فلو كان هذا نبيًّا حقًّا لأوشك أن يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا، فقال الله تعالى: ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ﴾، أي: جهنم كفايتهم في الدار [٢] الآخرة ﴿يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (٢٤).

وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو؛ أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله : سام عليك، ثم يقولون في أنفسهم: ﴿لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾؟ فنزلت هذه الآية: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ [٣] الْمَصِيرُ﴾. إسناد حسن ولم يخرجوه (٢٥).

وقال العوفي عن ابن عباس: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾، قال: كان المنافقون يقولون لرسول الله إذا حَيّوه: سام عليك، قال الله: ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ [٤] الْمَصِيرُ﴾ ثم قال الله مؤدبًا عباده المؤمنين أن لا يكونوا مثل الكفرة


(٢٢) - أخرجه الطبري (٢٨/ ١٥).
(٢٣) - وأصله في البخاري في كتاب: استتابة المرتدين، باب: إذا عرَّض الذمي أو غيره بسب النبي ولم يصرح، حديث (٦٩٢٦) (١٢/ ٢٨٠).
(٢٤) - تقدم قبل ذلك بثلاثة أحاديث.
(٢٥) - أخرجه أحمد (٢/ ١٧٠) (٦٥٨٩). قال الهيثمي في "المجمع" (٧/ ١٢٥): رواه أحمد والبزار والطبراني وإسناده جيد؛ لأن حمادًا سمع من عطاء بن السائب في حالة الصحة.