للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الإِمام أحمد: حدثنا ابن نمير ووكيع، كلاهما عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد اللَّه؛ قال: قال رسول اللَّه : "للَجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك" (٥٥).

انفرد بإخراجه البخاري في الرقاق من حديث الثوري عن الأعمش به (٥٦).

ففي هذا الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من الإِنسان، وإذا كان الأمر كذلك، فلهذا حثه اللَّه على المبادرة إلى الخيرات، من [١] فعل الطاعات، وترك المحرمات، التي تكفر عنه الذنوب والزلات، وتحصل له الثواب والدرجات، فقال تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾: والمراد جنس السماء والأرض، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾. وقال هاهنا: ﴿أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾، أي: هذا الذي أهلهم اللَّه له هو من فضله ومنه عليهم وإحسانه إليهم، كما قدمنا في الصحيح أن فقراء المهاجرين قالوا: يا رسول اللَّه، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم. قال: "وما ذاك؟ " قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويُعتقون ولا نُعْتق. قال: "أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين". قال: فرجعوا فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال ما فَعَلْنا، ففعلوا مثله! فقال رسول اللَّه، : "ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء" (٥٧).

﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ


(٥٥) - المسند (١/ ٤٤٢) (٤٢١٦).
(٥٦) - صحيح البخاري، كتاب: الرقاق، باب: الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك، حديث (٦٤٨٨) (١١/ ٣٢١).
(٥٧) - أخرجه البخاري في كتاب: الأذان، باب: الذكر بعد الصلاة، حديث (٨٤٣) (٢/ ٣٢٥) وطرفه في [٦٣٢٩]. ومسلم في كتاب: المساجد، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة، حديث (١٤٢/ ٥٩٥) (٥/ ١٢٩ - ١٣١).