للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما ذكر تعالى مآل السابقين -وهم المقربون- عطف عليهم بذكر أصحاب اليمين -وهم الأبرار- كما قال ميمون بن مهران: أصحاب اليمين منزلة دون المقربين، فقال: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾. أي: أي شيءٍ أصحاب اليمين؟ وما حالهم؟ وكيف مآلهم؟ ثم فسر ذلك فقال: ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ﴾. قال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وأبو الأحوص، وقسامة بن زُهير، والسَّفر بن بشير [١]، والحسن، وقتادة، وعبد الله بن كثير، والسدي، وأبو حزرة [٢]، وغيرهم: هو الذي لا شوك فيه، وعن ابن عباس: هو المُوقر بالثمر. وهو رواية عن عكرمة، ومجاهد. وكذا قال قتادة أيضًا: كنا نُحَدّث أنه المُوقر الذي لا شوك فيه.

والظاهر أن المراد هذا وهذا؛ فإن سدر الدنيا محمير الشموك قليل الثمر، وفي الآخرة على العكس [٣] من هذا، لا شوك فيه، وفيه الثمر الكثير الذي قد أثقل أصله. كما قال الحافظ أبو بكر أحمد بن سلمان النجّاد [٤]:

[حدثنا عبد الله [٥] بن محمد -هو البغوي- حدثني حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان] [٦]، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر، قال: كان أصحاب رسول الله بقولون: إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم. قال: أقبل أعرابي يومًا؛ فقال: يا رسول الله، ذَكَرَ الله في الجنة شجرة تؤذي بهاحبها. فقال [٧] رسول الله : "وما هي؟ ": قال السّدر، فإن له شوكًا مؤذيًا. فقال رسول الله : "أليس الله يقول: ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ﴾، خَضَد الله شوكه، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمرًا تَفتَّق الثمرةُ منها عن اثنين وسبعين لونًا من طعام، ما فيها لون يشبه الآخر" (٣٠).

طريق أخرى، قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا محمن بن المصفى، حدثنا محمد بن المبارك، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثني ثور بن يزيد، حدثني حَبِيب بن عبيد، عن عُتْبة بن عبد السلمي؛ قال: كنت جالسًا مع رسول الله فجاء أعرابي؛ فقال: يا رسول الله؛ أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكًا منها؟ -


(٣٠) - أخرجه ابن أبي الدنيا كما في "الترغيب والترهيب" (٤/ ٤٣٤) وقال: إسناده حسن. وأخرجه الحاكم (٢/ ٤٧٦) وصححه، ووافقه الذهبي.