لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه، فيخر بين يديه مشويًّا" (٢٩).
وقوله: ﴿وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾: قرأ بعضهم بالرفع، وتقديره: ولهم فيها حور عين. وقراءة الجر تحتمل معنين: أحدهما: أن يكون الإعراب على الإِتباع بما قبله، كقوله: ﴿بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ﴾، كما قال: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ﴾ وكما قال: ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ﴾. والاحتمال الثاني: أن يكون مما يطوف به الولدان المخلدون عليهم الحور العين، ولكن يكون ذلك في القصور، لا بين بعضهم بعضًا، بل في الخيام يطوف عليهم الخدام بالحور العين، والله أعلم.
وقوله: ﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾، أي: كأنهن اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه، كما تقدم في سورة الصافات: ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾. وقد تقدم في سورة الرحمن وصفهن أيضًا، ولهذا قال: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، أي: هذا الذي أتحفناهم [١] به مجازاة لهم على ما أحسنوا من العمل.
ثم قال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾، أي: لا يسمعون في الجنة كلامًا لاغيًا، أي: غَثًّا خاليًا عن المعنى، أو مشتملًا على معنى [حقير أو ضعيف][٢]، كما قال: ﴿لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ أي: كلمة لاغية ﴿وَلَا تَأْثِيمًا﴾ أي: ولا كلامًا فيه قبح [٣]، ﴿إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾ أي: إلا التسليم منهم بعضهم على بعض، كما قال: ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ وكلامهم أيضًا سالم من اللغو والإثم.