للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول تعالى مخبرًا عن هؤلاء السابقين القربين: إنهم ﴿ثُلَّةٌ﴾، أي: جماعة من الأولين وقليل من الآخرين. وقد اختلفوا في المراد بقوله ﴿الْأَوَّلِينَ﴾ و ﴿الْآخِرِينَ﴾. فقيل: المراد بالأولين الأمم الماضية، وبالآخرين هذه الأمة. هذا رواية عن مجاهد، والحسن البصري، رواها [١] عنهما ابن أبي حاتم. وهو اختيار ابن جرير، واستأنس بقوله : "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة" (١٠). ولم يحك غيره، ولا عزاه إلى أحد.

ومما يستأنس به لهذا القول ما رواه الإِمام أبو محمد بن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، حدثنا شريك، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: "نزلت ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) [وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾، شق ذلك على أصحاب النبي فنزلت: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ [٢] وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾ فقال النبي : "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث أهل الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة -أو: شَطر أهل الجنة- وتقاسمونهم النصف الثاني" (١١).

ورواه الإمام أحمد، عن أسود بن عامر، عن شريك، عن محمد بياع الملاء، عن أبيه، عن أبي هريرة … فذكره (١٢).

وقد روي من حديث جابر نحو هذا، ورواه الحافظ ابن عساكر من طريق هشام بن عمار: حدثنا عبد ربه بن صالح، عن عروة [٣] بن رُويم، عن جابر بن عبد الله، عن النبي : [] [٤] لما نزلت: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ ذكر [فيها] [٥] ثلة من الأولين وقليل من الآخرين. قال عمر: يا رسول الله، ثلة من الأولين وقليل منا؟ [قال: فأمسك] [٦] آخر السورة سنة، ثم نزل: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾، فقال رسول الله : ["يا عمر] [٧]، تعال فاسمع ما قد [٨] أنزل الله: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾، ألا وإن من [٩] آدم إليَّ ثلة، وأمتي ثلة، [ولن


(١٠) - تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية رقم (٢٢٤).
(١١) - في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة، وأبوه، وكلاهما قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول. وشريك وهو ابن عبد الله النخعي وهو ضعيف من قبل حفظه.
(١٢) - أخرجه أحمد (٢/ ٣٩١) وإسناده كسابقه.