وهذه الأقوال كلها صحيحة؛ فإن المرادَ بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا، كما قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾، وقال: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾. فمن سابق في هذه الدنيا وسَبَقَ إلى الخير، كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان؛ ولهذا قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ (٩).
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن زكريا القزاز [١] الرازي، حدثنا خارجة بن مُصعب، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو قال: قالت الملائكة: يا رب، جعلت لبني آدم الدنيا فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون، فاجعل لنا الآخرة. فقال: لا أفعل. فراجعوا ثلاثًا، فقال: لا أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له: كن، فكان، ثم قرأ عبد الله: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾.
وقد روى هذا الأثر الإِمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه "الرد على الجهمية"، ولفظه: فقال الله ﷿: "لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن، فكان".
(٩) - في إسناده خارجة بن مصعب: متروك. وكان يدلس عن الكذابين. وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (١/ ٤٨) من طريق آخر عن ابن عمر ﵁ مرفوعًا. وقال: هذا حديث لا يصح، وكان الحميدي يتكلم في عبد المجيد. وقال ابن حبان: يقلب الأخبار ويروي المنكرات عن المشاهير، فاستحق الترك. قال الدارقطني: وقد رواه سريج بن يونس عن عبد المجيد فوقفه، والموقوف أصح.