للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ﴾، أي: لا تستطعون هربًا من أمر الله وقدره، بل هو محيط بكم، لا تقدرون على التخلص من حكمه، ولا النفوذ عن حكمه فيكم، أينما ذهبتم أحيط بكم.

وهذا في مقام المحشر؛ الملائكة مُحدقَةٌ بالخلائق، سبع صفوف من كل جانب، فلا يقدر أحد على الذهاب. ﴿إلا بِسُلْطَانٍ﴾، أي: إلا بأمر الله، ﴿يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَينَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلَّا لَا وَزَرَ (١١) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾.

وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، ولهذا قال: ﴿يُرْسَلُ عَلَيكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ﴾.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: الشواظ: هو لهب النار. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: الشواظ: الدخان. وقال مجاهد: هو اللهيب الأخضر المنقطع. وقال أبو صالح: الشواظ: هو اللَّهيب الذي فوق النار ودون الدخان. وقال الضحاك: ﴿شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ﴾: سيل من نار.

وقوله: ﴿وَنُحَاسٌ﴾، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿وَنُحَاسٌ﴾: دخان النار، ورُوي مثله عن أبي صالح، وسعيد بن جبير، وأبي سنان.

قال ابن جرير: والعرب تسمي الدخان نُحَاسًا -بضم النون وكسرها-، والقراء [١] مجمعة على الضم، ومن النحاس [بمعنى] [٢] الدخان قول نابغة بني [٣] جعدة:

يضيء كضوء سراج السليـ … ـطِ لم يجعلِ اللهُ فيه نحاسا

يعني دخانًا، هكذا قال:

وقد روى الطبراني من طريق جويبر، عن الضحاك: أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن الشواظ فقال: هو اللَّهب [٤] الذي لا دخان معه. فسأله شاهدًا على ذلك من اللغة، فأنشده قول أمية بن أبي الصلت في حسَّان:


= وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب: فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، حديث (١٠٤٦).
ولفظه: "وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى نطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس … ". وإسناده صحيح.