للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾، أي: هو الخالق لجميع المخلوقات، والعالم بمصالح عباده، وهو الذي يهدى من يشاء، ويضل من يشاء، وذلك كله عن قدرته وعلمه وحكمته، وهو العادل الذي لا يجور أبدًا، لا في شرعه ولا في قَدَره.

﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (٣٢)

يخبر تعالى أنه مالك السماوات والأرض، وأنه الغني عما سواه، الحاكم في خلقه بالعدل، وخَلَق الخلق بالحق، ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾، أي: يجازي كلًّا بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، ثم فسر المحسنين بأنهم ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ﴾ أي: لا يتعاطون المحرمات والكبائر وإن وقع منهم بعض الصغائر فإنه يغفر لهم ويستر عليهم، كما قال في الآية الأخرى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾. وقال هاهنا: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلا اللَّمَمَ﴾. وهذا استثناء منقطع؛ لأن اللمم من صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال.

قال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن ابن طاوس، [عن أبيه، عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئًا أشبَهَ باللمَم مما قال أبو هريرة عن النبي ] [١] قال: "إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تَمَنَّى وتشتهي، والفرج يُصَدِّق ذلك أو يكذبه" (٦٠).

أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق به (٦١).


(٦٠) - أخرجه أحمد (٢/ ٣١٧ - ٣٧٩).
(٦١) - أخرجه البخاري في كتاب: الاستئذان، باب: زنا الجوارح دون الفرج، (٦٣٤٣) (١١/ ٢٦).
ومسلم في كتاب: القدر، باب: قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره (٢٠/ ٢٦٥٧) (١٦/ ٣١٥).