للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيئًا (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٢٩) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (٣٠)

يقول تعالى منكرًا على المشركين في تسميتهم الملائكة تسمية الأنثى، وجعلهم لها أنها بنات الله كما قال: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾. ولهذا قال: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ أي: ليس لهم علم صحيح يُصَدِّق ما قالوه، بل هو كذب وزور وافتراء وكفر شنيع. ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيئًا﴾، أي: لا يجدي شيئًا، ولا يقوم أبدًا مقام الحق. وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله قال: "إياكم والظن! فإن الظن أكذب الحديث" (٥٧).

وقوله: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا﴾، أي: أعرض عن الذي أعرض [١] عن الحق واهجره.

وقوله: ﴿وَلَمْ يُرِدْ إلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾، أي: وإنما أكثر همه ومبلغ علمه الدنيا، فذلك [٢] هو غاية ما لا خير فيه. ولذلك قال: ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾، أي: طلب الدنيا والسعي لها هو غاية ما وصلوا إليه. وقد روى الإمام أحمد عن أم المؤمنين عائشة قالت: قال رسول الله : "الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له" (٥٨). وفي الدعاء المأثور: "اللَّهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا" (٥٩).


(٥٧) - أخرجه البخاري في كتاب: الأدب، باب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ حديث (٦٠٦٦). ومسلم في كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها، حديث (٢٨/ ٢٥٦٣) (١٦/ ١٧٩). كلاهما من حديث أبي هريرة.
(٥٨) - أخرجه أحمد (٦/ ٧١). وذكره الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ٢٩١) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير دويد وهو ثقة. وضعفه الألباني في الضعيفة (١٩٣٣)، ونقل عن ابن قدامة في المنتخب أنه قال: هذا حديث منكر. ونقل العراقي في تخريج الإحياء (٤/ ١٨٥٨) قول المنذري بأن إسناده جيد.
(٥٩) - أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات، باب: الدعاء حين يقوم من مجلسه، حديث (٣٤٩٧) (٩/ ١٦٩ - ١٧٠). وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٢٧٨٨ - ٣٧٥٨).