ووكله إلى ما هو فيه من الإسلام، فدل هذا على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإِيمان في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقامًا أعلى مما وصلوا إليه، فأدبوا في ذلك. وهذا معنى قول ابن عباس وإبراهيم النَخْغي، وقتادة، واختاره ابن جرير. وإنما قلنا هذا لأن البخاري ﵀ ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين، يُظهرون الإِيمان وليسوا كذلك. وقد رُوي عن سعيد بن جُبير، ومجاهد، وابن زيد أنهم قالوا في قوله: ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ أي: استسلمنا خوف القتل والسّباء. قال مجاهد: نزلت في بني أسد بن خزيمة. وقال قتادة: نزلت في قوم امتنوا [١] بإيمانهم على رسول الله ﷺ.
والصحيح الأول: أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإِيمان، ولم يحصُل لهم بعد، فأدّبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد، ولو كانوا منافقين لعنّفوا وفُضِحوا، كما ذكر المنافقون [٢] في سورة براءة. وإنما قيل لهؤلاء تأديبًا: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي: لم تصلوا إلى حقيقة الإِيمان بعد.
ثم قال: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ [٣] مِنْ أَعْمَالِكُمْ﴾ أي: لا ينقصكم ملأ أجوركم [٤] ﴿شَيئًا﴾، كقوله: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيءٍ﴾ وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي: لمن تاب إليه وأناب.
وقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي: إنما المؤمنون الكُمل ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ أي: لم يشكوا ولا تزلزلوا بل ثبتوا على حال واحدة، وهي التصديق المحض، ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: وبذلوا مهجهم [٥] ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه، ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ أي: في قولهم إذا قالوا: إنهم مؤمنون، لا كبعض الأعراب الذين ليس معهم من الدين إلا الكلمة الظاهرة.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى بن غَيلان، حدثنا رشدين، حدثني عمرو بن الحارث، عن أبي السَّمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، قال [٦]: إن النبي ﷺ، قال:"المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء: [الذين][٧] آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. والذي يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم. ثم الذي إذا أشرف على طمع تركه [٨] لله ﷿"(١١٠).
(١١٠) - إسناده ضعيف. أخرجه أحمد (٣/ ٨) برقم (١١٠٦٤) وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف.