للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨)

يقول تعالى منكرًا على الأعراب الذين أول ما دخلوا في الإسلام ادّعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يتمكن الإِيمان في قلوبهم بعد: ﴿قَالتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾. وقد استفيد من هذه الآية الكريمة أن الأيمان أخص من الإِسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويدل عليه حديث جبريل حين سأل عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان (١٠٧)، فترقى من الأعم إلى الأخص، ثم للأخص منه.

قال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أعطى رسول الله رجالًا ولم يعط رجلًا منهم شيئًا، فقال سعد: يا رسول الله، أعطيت فلانًا وفلانًا ولم تُعط فلانًا شيئًا، وهو مؤمن؟ فقال النبي : "أو مُسْلم". حتى أعادها سعد ثلاثًا، والنبي يقول: "أوْ مسلم". ثم قال النبي : "إني لأعطي رجالًا وأدع من هو أحب إليَّ منهم فلا أعطيه شيئًا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم" (١٠٨).

أخرجاه في الصحيحين من حديث الزهريّ به (١٠٩).

فقد فرق النبي بين المسلم والمؤمن فَدَلّ على أن الإيمان أخص بن الإسلام. وقد قررنا ذلك بأدلته في أول شرح كتاب الإِيمان من "صحيح البخاري" ولله الحمد والمنة. ودَلّ ذلك على أن ذاك الرجل كان مسلمًا ليس منافقًا؛ لأنه تركه من العطاء،


(١٠٧) - أخرجه بطوله مسلم في الصحيح في كتاب الإيمان، باب: بيان الإسلام والإيمان والإحسان، حديث (٨) (١/ ٢١٣ - ٢٢٥).
(١٠٨) - صحيح. أخرجه أحمد (١/ ١٧٦).
(١٠٩) - والبخاري في كتاب: الإيمان، باب: إذا لم يكن الناس على الحقيقة، حديث (٢٧) (١/ ٧٩) وطرفه في [١٤٧٨]. ومسلم في كتاب: الإيمان، باب: تأليف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه، برقم (٢٣٦، ٢٣٧/ ١٠٥) (٢/ ٢٣٧ - ٢٣٨).