للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: "إنها ابنة أخي من الرضاعة". انفرد به من هذا الوجه.

وقوله: ﴿فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ أي فعلم [١] الله تعالى من الخيرة والمصلحة في صَرْفكم عن مكة ودخولكم إليها عامكم ذلك ما لم تعلموه أنتم، ﴿فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾ أي: قبل دخولكم الذي وعدتم به في رؤيا النبي فتحًا قريبًا، وهو الصلح الذي كان بينكم وبين أعدائكم من المشركين.

ثم قال تعالى مبشرًا للمؤمنين بنصرة الرسول صلوات الله عليه على عدوه وعلى سائر أهل الأرض: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾، أي: بالعلم النافع والعمل الصالح، فإن الشريعة تشتمل على شيئين: علم وعمل، فالعلم الشرعي صحيح، والعمل الشرعي مقبول، فإخباراتها حق وإنشاءاتها عدل، ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾، أي: على أهل جميع الأديان من سائر أهل الأرض، من عرب وعجم، ومليين [٢] ومشركين، ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾، أي: أنه رسوله، وهو ناصره.

﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)

يخبر تعالى عن محمد - صلوات الله وسلامه عليه - أنه رسوله حقًّا بلا شك ولا ريب، فقال: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾، وهذا مبتدأ وخبر [٣]، وهو مشتمل على كل وصف جميل. ثم ثنى بالثناء على أصحابه فقال: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾، كما قال تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾. وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدًا عنيفًا على الكفار، رحيمًا برًّا بالأخيار، غضوبًا عبوسًا في وجه الكافر، ضحوكًا بشوشًا في وجه أخيه المؤمن، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾. وقال النبي : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم


[١]- في ز: يعلم.
[٢]- في خ: مسلمين.
[٣]- في خ. وخبره.