بالقُذّة] [١]. ولهذا قال تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾: هذا لتحقيق الخبر وتوكيده، وليس هذا من الاستثناء في شيء، ﴿آمنين﴾ أي: في حال دخولكم. وقوله: ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾، حال مقدرة، لأنهم في حال حرمهم لم يكونوا محلقين ومقصرين، وإنما كان هذا في ثاني الحال، كان منهم من حلق رأسه ومنهم من قصره.
وثبت في الصحيحين (٦٩) أن رسول الله ﷺ قال: "رحم الله المحلقين". قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال:"رحم الله المحلقين". قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال:"رحم الله المحلقين". قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "والمقصرين في الثالثة أو الرابعة.
وقوله: ﴿لَا تَخَافُونَ﴾: حال مؤكدة في المعنى، فأثبت لهم الأمن حال الدخول، ونفى عنهم الخوف حال استقرارهم في البلد لا يخافون من أحد. وهذا كان في عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع، فإن النبي ﷺ لما رجع من الحديبية في ذي القعدة رجع إلي المدينة فأقام بها ذا الحجة والمحرم، وخرج في صفر إلي خيبر ففتحها الله عليه بعضها عَنوة وبعضها صلحًا، وهي إقليم عظيم كثير النخيل [٢] والزروع، فاستخدم من فيها من اليهود عليها علي الشطر، وقسمها بين أهل الحديبية وحدهم، ولم يشهدها أحد غيرهم إلا الذين قدموا من الحبشة، جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وأبو موسى الأشعري وأصحابه، ولم يغب منهم أحد -قال ابن زيد: إلا ألا دجانة [سماك بن خرشة][٣]، كما هو مقرر في موضعه- ثم رجع إلي المدينة. فلما كان في ذي القعدة سنة سبع خرج إلي مكة معتمرًا هو وأهل الحديبية، فأحرم من ذي الحُلَيفة، وساق معه الهَدْي، قيل: كان ستين بدنة. فَلَبَّي وسار وأصحابه يُلَبّون. فلما كان قريبا من مَرّ الظهران بعث محمد بن مسلمة بالخيل والسلاح أمامه. فلما رآه المشركون رُعبوا رعبًا شديدًا وظنوا [٤] أن رسول الله ﷺ يغزوهم، وأنه قد نكث العهد الذي بينه ولعنهم من وضع القتال عشر سنين، وذهبوا فأخبروا أهل مكة، فلما جاء رسول الله ﷺ فنزل بمر [٥] الظهران حيث ينظر إلي أنصاب الحرم بعث السلاح من [٦] القسي والنبل والرماح إلي بطن يَأجج، وسار إلي مكة بالسيوف مغمدة في قربها، كما شارطهم عليه. فلما كان في أثناء