للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر محمد بن إسحاق (٢٨)، عن يزيد بن رومان، عن محمد بن كعب القُرَظي قصَّةَ خروج رسول الله إلى الطائف ودعائه إياهم إلى الله ﷿ وإبائهم عليه. فذكر القصة بطولها، واورد ذلك الدعاء الحسن: "اللهم، إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي … " إلى آخره. قال: فلما انصرف عنهم بات بنخلة، فقرأ تلك الليلة من القرآن فاستمعته [١] الجن من أهل نَصيبين.

وهذا صحيح، ولكن قوله: "إن الجن كان استماعهم تلك الليلة". فيه نظر، لأن الجن كان استماعهم في ابتداء الإِيحاء، كما دل عليه حديث ابن عباس المذكور، وخروجه إلى الطائف كان بعد موت عمه، وذلك قبل الهجرة بسنة أو سنتين، كما قرره ابن إسحاق وغيره.

وقال أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ (٢٩): حدثنا أبو أحمد الزَّبيريّ، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زرّ، عن عبد الله بن مسعود قال: هبطوا على النبي وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوه قالوا: أنصتوا. قال: صه. وكانوا تسعة أحدهم زوبعة، فأنزل الله ﷿: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ إلى ﴿ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.

فهذا مع الأول من رواية ابن عباس يقتضي أن رسول الله لم يشعر بحضورهم في هذه المرة، وإنما استمعوا قراءته، ثم رجعوا إلى قومهم، ثم بعد ذلك وفدوا إليه أرسالًا (*) قومًا بعد قوم، وفوجًا بعد فوج، كما ستأتي [٢] بذلك الأخبار في موضعه [٣]


(٢٨) - رواه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (٢/ ٤٤٤ - ٤٤٥) وإسناده مرسل فإن محمد بن كعب القرظي من ثقات التابعين ولد سنة أربعين على ما رجحه الحافظ في "التقريب" والحديث رواه الطبراني كما في مجمع الزوائد (٦/ ٣٨) من حديث عبد الله بن جعفر. وقال الهيثمي: فيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة وبقية رجاله ثقات. ولم أقف على إسناده في المطبوع من معجم الطبراني الكبير بسبب فقد الجزء الذي يحتوي على مرويات المبادلة من الصحابة عدا ابن مسعود وابن عباس، وجزء من حديث ابن عمر .
(٢٩) - رواه ابن أبي شيبة، ومن طريقه الحاكم في المستدرك (٢/ ٤٥٦)، والبيهقي في دلائل النبوة (٢/ ٢٢٨) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وفي إسناده أبو أحمد الزبيري وهو محمد بن عبد الله بن الزبير الأسلمي ثقة ثبت؛ إلَّا أن الإمام أحمد قال: كان كثير الخطأ في حديث سفيان. كذا في "التهذيب" (٢٥/ ٤٧٩) والحديث ذكره السيوطي في الدر المنثور (٦/ ١٦) وزاد نسبته إلى ابن منيع وابن مردويه وأبي نعيم في "دلائل النبوة".
(*) يقال: جاء القوم أرسالًا، أي جماعات متتابعين.