أي: قال لهم هود ذلك، فأجابه قومه قائلين: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا﴾ أي: لتصدنا ﴿عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾، استعجلوا عذاب الله وعقوبته، استبعادًا منهم وقوعه، كقوله: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. ﴿قَال [١] إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي: الله أعلم بكم إن كنتم مستحقين لتعجيل العذاب فيفعل ذلك بكم، وما أنا فمن شأني أن أبلغكم ما أرسلت به، ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ أي: لا تعقلون ولا تفهمون.
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ أي: لما رأوا العذاب مستقبلهم، اعتقدوا أنه عارض ممطر [٢]، ففرحوا واستبشروا، وقد كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر، قال الله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: هو العذاب الذي قلتم: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾.
﴿تُدَمِّرُ﴾ أي: تخرب. ﴿كُلَّ شَيءٍ﴾ من بلادهم مما [من شأنه الخراب][٣].
﴿بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ أي: بإذن الله لها في ذلك، كقوله: ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيءٍ أَتَتْ عَلَيهِ إلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ أي: كالشيء البالي؛ ولهذا قال: ﴿فَأَصْبَحُوا [لَا يُرَى][٤] إلا مَسَاكِنُهُمْ﴾ أي: قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق لهم باقية، ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ أي: هذا حكمنا فيمن كذب رسلنا، وخالف أمرنا.
وقد ورد حديث في قصتهم، وهو غريبٌ جدًّا من غرائب [٥] الحديث وأفراده. قال الإمام أحمد (٢٠):
حدثنا زيد بن الحباب، حدثني أبو [٦] المنذر سلام بن سليمان النحوي قال: حدثنا عاصم بن أبي النَّجُود، عن أبي وائل، عن الحارث البكري قال: خرجت أشكو العلاء بن [٧] الحضرمي إلى رسول الله ﷺ، فمررت بالرَّبذَة، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها، فقالت لي: يا عبد الله، إن لي إلى رسول الله ﷺ حاجةً، فهل أنت مبلِّغي إليه؟ قال: فحملتها فأتيت بها المدينة، فإذا المسجد غاصٌّ بأهله، وإذا راية
(٢٠) - تقدم في الأعراف (١٢٢)، وهو في المسند (١٦٠٠٠) (٣/ ٤٨٢).