للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئًا، فقال: خذوه. فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل فيه: ﴿وَالَّذِي قَال لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي﴾. فقالت عائشة مِن وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئًا من القرآن، إلا أن الله أنزل عُذْري.

(طريق أخرى) قال النسائي (١٧): حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أمية بن خالد، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية لابنه، قال مروان: سنة أبي بكر وعمر. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر. فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه: ﴿وَالَّذِي قَال لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا … ﴾ الآية. فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب مروان! والله ما هو به، ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته، ولكن رسول الله لعن أبا مروان، ومروانُ في صلبه، فمروان فَضَضٌ [١] (*) من لعنة الله.

وقوله: ﴿أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ﴾ أي: أبعث ﴿وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي﴾ أي: قد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر، ﴿وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ﴾. أي: يسألان الله فيه أن يهديه ويقولان لولدهما: ﴿وَيلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إلا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾.

قال الله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾ أي: دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.

[وقوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ بعد قوله ﴿وَالَّذِي قَال﴾ دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان كذلك] [٢].


(١٧) - رواه النسائي في "الكبرى" كتاب التفسير، باب: قوله: ﴿وَالَّذِي قَال لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا﴾ حديث (١١٤٩١) وهو في تفسيره رقم (٥١١) والحديث رواه الحاكم في المستدرك (٤/ ٤٨١) وصححه على شرط الشيخين وتعقبه الذهبي فقال: محمد لم يسمع من عائشة، وزاد ابن حجر نسبته في الفتح (٨/ ٥٧٦) للإسماعيلي. وزاد السيوطي نسبته في الدر المنثور (٦/ ١١) لعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه ومحمد بن زياد هو القرشي الجمحي ثقة ثبت، ذكر المزى في ترجمته في "التهذيب" أنه روى عن عائشة ولم أجد من نص على عدم سماعه من عائشة غير الذهبي في تلخيصه للمستدرك.
(*) أي قطعة وطائفة منها.