للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن رسول الله أنه قال: "يقول الله تعالى: من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالحرب". وفي الحديث الآخر: "إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرِب".

ولهذا أهلك تعالى قوم نوح وعاد وثمود، وأصحاب الرس، وقوم لوط، وأهل مدين، وأشباههم وأضرابهم، ممن كذب الرسل وخالف الحق؛ وأنجى الله من لكنهم المؤمنين، فلم يهلك منهم أحدًا، وعذب الكافرين، فلم يفلت منهم أحدًا [١].

قال السدى: لم يبعث الله رسولًا قط إلى قوم فيقتلونه، أو قومًا من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلون، فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله لهم من ينصرهم، فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا، قال: فكانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا، وهم منصورون فيها [٢].

وَهكذا نصر الله نبيه محمدًا وأصحابه على من [خالفه وناوأه] [٣]، وكذبه وعاداه، فجعل [٤] كلمته هي العليا، ودينه هو الظاهر على سائر الأديان؛ وأمره بالهجرة من بين ظهراني قومه إلى المدينة النبوية، وجعل له فيها أنصارًا وأعوانًا، ثم منحه أكتاف المشركين يوم بدر، فنصره عليهم وخذَّلهم له، وقتل صناديدهم، وأسر سراتهم، فاستاقهم مقرنين في الأصفاد؛ ثم منّ عليهم بأخذه الفداء منهم، ثم بعد مدة قريبة فتح مكة، فقرت عينه ببلده، وهو البلد المحرم الحرام المشرف المعظم، فأنقذه الله به مما كان فيه من الشرك والكفر، وفتح له اليمن، ودانت له جزيرة العرب بكمالها، ودخل الناس في دين الله أفواجًا؛ ثم قبضه الله تعالى إليه، لما له عنده من الكزامة العظيمة، فأقام الله أصحابه خلفاء بعده، فبلغوا عنه دينَ الله، ودعوا عباد الله إلى الله. وفتحوا البلاد والرّساتيق والأقاليم والمدائن والقرى والقلوب، حتى انتشرت الدعوة المحمدية في مشارق الأرض ومغاربها. ثم لا يزال هذا الدين قائمًا منصورًا ظاهرًا إلى قيام الساعة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ أي: يوم القيامة تكون النصرة أعظم وأكبر وأجلّ.

قال مجاهد: الأشهاد الملائكة.

وقوله: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ بدَل من قوله: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.

وقرأ آخرون: (يومُ) بالرفع، كأنه فسره به (يومَ يقوم الأشهادُ: يومُ لا ينفع الظالمين)، وهم المشركون ﴿مَعْذِرَتُهُمْ﴾ أي: لا يقبل منهم عذر ولا فدية، ﴿ولهم اللعنة﴾ أي: الإبعاد والطرد من الرحمة، ﴿وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ وهي النار. قاله السدي، بئس المنزل


[١]- في ز: "واحدًا".
[٢]- سقط من: خ، ز.
[٣]- ما بين المعكوفتين في ز: "خالفهم وناوأهم".
[٤]- في ز: "جعل".