للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رسالة أخرى إليهم. قاله مجاهد وقتادة. قال قتادة: فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله، ﴿إِنْ كَانَتْ إلا صَيحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾.

قال ابن جرير: والأول أصح؛ لأن الرسالة لا تسمى جندًا.

قال المفسرون، بعث الله إليهم جبريل فأخذ بِعضادتَي باب بلدهم، ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون عن آخرهم، لم تبق فيهم [١] روح تتردد في جسد.

وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي أنطاكية، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلًا من عند المسيح ؛ كما نص عليه قتادة وغيره وهو الذي لم يذكر عن [٢] واحد من متأخري المفسرين غيره وفي ذلك نظر من وجوه.

أحدها [٣]: أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله ﷿، لا من جهة المسيح، كما قال تعالى: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيهِمُ اثْنَينِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ إلى أن قالوا: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَينَا إلا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾، ولو كان [٤] هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح ، والله أعلم. ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إلا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾.

الثاني: أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، فكانوا [٥] أول مدينة آمنت بالمسيح؛ ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بتاركةٌ، وهن القدس لأنها بلد المسيح، وأنطاكية لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها.

والإسكندرية لأن فيها اصطلحوا على اتخاذ البتاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة [٦] والشمامسة والرهايين. ثم رومية لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر [٧] دينهم وأطده (*). ولما ابتنى القسطنطنيةَ نقلوا البترك من رومية إليها، كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم كسعيد بن بطريق وغيره من أهل الكتاب والمسلمين، فإذا تقرر أن أنطاكية أول قرية [٨] آمنت. فأهل هذه القرية قد ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسلهم [٩]، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخذتهم [١٠]، فالله أعلم.


(*) أي ثبته.