وقوله: ﴿وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ﴾، أي: لا يملكون شيئًا استقلالًا ولا على سبيل الشركة، ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾، أي: وليس لله من هذه الأنداد من ظهير يستظهر به في الأمور، بل الخلق كلهم فقراء إليه، عبيد لديه.
قال قتادة في قوله: ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾، من عون يعينه بشيء.
وقال: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾، أي: لعظمته وكبريائه لا يجترئ أحد أن يشفع عنده تعالى في شيء، إلا بعد إذنه له في الشفاعة، كما قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإِذْنِهِ﴾، وقال: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيئًا إلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾، وقال: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾.
ولهذا ثبت في الصحيحين (١٩)، من غير وجه عن رسول اللَّه ﷺ -وهو سيد ولد آدم، وأكبر شفيع عند اللَّه- أنه حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلّهم أن يأتي ربّهم لفصل القضاء، قال:"فأسجد للَّه فيدعني ما شاء اللَّه [١] أن يدعني، ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن، ثم يقال: يا محمد؛ ارفع رأسك، وقل يُسمع، وسل تُعطَه، واشفع تشفع" … الحديث بتمامه.
وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَال رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ﴾. وهذا أيضًا مقام رفيع في العظمة. وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي، فسمع أهل السماوات كلامه، أرْعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي. قاله ابن مسعود ومسروق، وغيرهما.
﴿[حَتَّى إِذَا][٢] فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾، أي: زال الفزع عنها، قال ابن عباس، وابن عمر، وأبو عبد الرحمن السلمي، والشعبي، وإبراهيم النخعي، والضحاك والحسن، وقتادة في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾، يقول: جُلّي عن قلوبهم. وقرأ بعض السلف -وجاء مرفوعًا-: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ﴾ بالغين المعجمة، ويرجع إلى الأول.
فإذا كان كذلك يسأل [٣] بعضهم بعضًا: ماذا قال ربكم؟ فيخبر بذلك حملة العرش الذين [٤] يلونهم، ثم الذين يلونهم لمن تحتهم، حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا؛ ولهذا قال: ﴿قَالُوا الْحَقَّ﴾، أي: أخبروا [٥] بما قال من غير زيادة ولا نقصان، ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ
(١٩) تقدمت أحاديث الشفاعة عند تفسير الآية: ٧٩ من سورة الإسراء.