للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسحبون في النار على وجوههم وتلوى وجوههم على جهنم، يقولون وهم كذلك، يتمنون أن لو كانوا في الدار الدنيا ممن أطاع الله وأطاع الرسول، كما أخبر عنهم في حال العرصات بقوله: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيهِ يَقُولُ يَاليتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (٢٧) يَاوَيلَتَى لَيتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾.

وقال تعالى: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾. وهكذا أخبر عنهم في حالتهم هذه أنهم يَوَدون أن لو كانوا أطاعوا الله وأطاعوا الرسول في الدنيا، ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾. وقال طاوس: سادتنا يعني الأشراف، وكبراءنا يعني العلماء. رواه ابن أبي حاتم.

أي: اتبعنا السادة وهم الأمراء والكبراء من المشيخة، وخالفنا الرسل واعتقدنا أن عندهم شيئًا، وأنهم على شيء [فإذا هم ليسوا على شيء] [١]، ﴿رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَينِ مِنَ الْعَذَابِ﴾، أي: بكفرهم وإغوائهم إيانا، ﴿وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا [٢]﴾ قرأ بعض القراء (*) بالباء الموحدة. وقرأ آخرون (**) بالثاء المثلثة، وهما [قريبًا المعنى] [٣]، كما في حديث عبد الله بن عمرو: أن أبا بكر قال: يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي. قال: "قل: اللهم، إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم". أخرجاه في الصحيحين (٢٩٤)، يروى "كبيرًا" و"كثيرًا" وكلاهما بمعنى صحيح.

واستحب بعضهم أن يجمع الداعي بين اللفظين في دعائه، وفي ذلك نظر. بل الأولى أن يقول هذا تارة. وهذا تارة كما أن القارئ مخير بين القراءتين أيتهما قرأ فَحَسَن، وليس له الجمع بينهما، والله أعلم.

وقال أبو القاسم الطبراني (٢٩٥): حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا ضرار بن صُرَد، حدثنا علي بن هاشم [٤]، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، في تسمية من شهد مع علي : الحجاج بن عمرو بن غَزيّة [٥]، وهو الذي كان يقول عند اللقاء: يا معشر


(*) - وهم: ابن عامر، وعاصم.
(**) - وهم: ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وحمزة، والكسائي.
(٢٩٤) صحيح البخاري، الأذان برقم (٨٣٤)، وصحيح مسلم، الذكر والدعاء برقم (٢٧٠٥).
(٢٩٥) المعجم الكبير (٣/ ٢٢٣).