للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون للبشر الواحد قلبان.

﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾، قال سعيد بن جبير: ﴿يَقُولُ الْحَقَّ﴾، أي: العدل. وقال قتادة: ﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾، أي: الصراط المستقيم.

وقد ذكر غير واحد: أن هذه الآية نزلت في رجل من قريش، كان يقال له: "ذو القلبين"، وأنه كان يزعم أن له قلبين، كل منهما بعقل وافر. فأنزل الله هذه الآية ردًّا عليه. هكذا روى العَوفي عن ابن عباس. وقاله مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة. واختاره ابن جرير.

وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا حسن، حدثنا زهير، عن قابوس -يعني: ابن أبي ظبيان- أن أباه حدثه قال: قلت لابن عباس: أرأيت قول الله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَينِ فِي جَوْفِهِ﴾، ما عنى بذلك؟ قال: قام رسول الله، ، يومًا يصلي، فخَطَر خَطْرَة [١]. فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترون له قلبين، قلبًا معكم وقلبًا معهم؟ فأنزل الله ﷿: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَينِ فِي جَوْفِهِ﴾.

وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن صاعد الحراني-[و] [٢] عن عبد بن حميد، عن أحمد بن يونس- كليهما [٣] عن زهير -وهو ابن معاوية-. به، ثم قال: وهذا حديث حسن. وكذا رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من حديث زهير، به.

وقال عبد الرزاق (٣): أخبرنا معمر، عن الزهري، في قوله: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَينِ فِي جَوْفِهِ﴾، قال: بلغنا أن ذلك كان في زيد بن حارثة، ضُرب له مثل، يقول: ليس ابن رجل آخر ابنك.

وكذا قال مجاهد، وقتادة، وابن زيد: إنها نزلت في زيد بن حارثة. وهذا يوافق ما قدمناه من التفسير، والله أعلم.

وقوله: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾، هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب، وهم الأدعياء، فأمر تعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة، وأن هذا هو العدل والقسط.


(٢) - المسند (١/ ٢٦٧)، وأخرجه الترمذي في تفسير القرآن، باب: ومن سورة الأحزاب، حديث (٣١٩٩) وابن خزيمة (٨٦٥) من طريق قابوس به.
(٣) - تفسير عبد الرزاق (٢/ ١١١)، ومن طريقه أخرجه ابن جرير.