للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (٢٧)

يقول تعالى: أو لم يهد لهؤلاء المكذبين بالرسل ما أهلك الله قبلهم من الأمم الماضية، بتكذيبهم بالرسل [١]، ومخالفتهم إياهم فيما جاءوهم به من قويم [٢] السبل، فلم يبق منهم باقية ولا عين ولا أثر؟ ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾؟. ولهذا قال: ﴿يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾، أي: وهؤلاء المكذبون يمشون في مساكن أولئك المكذبين، فلا يرون فيها أحدًا ممن كان يسكنها ويعمُرها، ذهبوا منها ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ كما قال: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاويَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾ وقال: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا [٣] وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاويَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ ولهذا قال هاهنا: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ﴾، أي: إن [٤] في ذهاب أولئك القوم، ودَمَارهم وما حل بهم بسبب تكذيبهم الرسل، ونجاة من آمن بهم- لآيات [وعبرًا ومواعظ] [٥]، ودلائل متظاهرة [٦].

﴿أَفَلَا يَسْمَعُونَ﴾ أي: أخبار من تقدم، كيف كان أمرهم؟.

وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾، يبين تعالى لطفه بخلقه، وإحسانه إليهم في إرساله الماء، إما من السماء أو من السيح، وهو [٧]: ما تحمله الأنهار ويتحدر [٨] من الجبال، إلى الأراضي المحتاجة إليه في أوقاته، ولهذا قال: ﴿إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾، وهي: التي لا نبات فيها؛ كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾، أي: يبسًا لا تنبت شيئًا. وليس المراد من قوله ﴿إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾، أرض مصر فقط، بل هي بعض المقصود، وإن مثل بها كثير من المفسرين فليست المقصودة وحدها، ولكنها مرادة قطعًا من هذه الآية، فإنها في نفسها أرض وخوة غليظة، تحتاج من الماء ما لو نزل عليها مطرًا لتهدمت أبنيتها، فيسوق الله إليها النيل بما يتحمله من الزيادة الحاصلة من أمطار بلاد الحبشة، وفيه طين أحمر، فيغشى أرض مصر، وهي أرض سبخة مرملة، محتاجة إلى ذلك الماء، وذلك الطين أيضًا؛ لينبُتَ الزرعُ فيه، فيستغلون كل سنة على ماء جديد ممطور في غير بلادهم، وطين جديد من غير أرضهم، فسبحان الحكيم الكريم المنان، المحمود ابتداء.


[١]- في ت: "الرسل"
[٢]- في ز، خ: "تبريم".
[٣]- في ز: "أهلكتها" وهي قراءة أبي عمروٍ، ورواها أبو بكر عن عاصم.
[٤]- سقط من: ز، خ.
[٥]- ما بين المعكوفتين في خ، ز: "عبرة وموعظة".
[٦]- في خ: "متناظرة".
[٧]- سقط من: خ، ز.
[٨]- في ت: "ينحدر".