للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لرسله، بمن كان فاسقًا، أي: خارجًا عن طاعة ربه، مكذبًا لرُسُله إليه، كما قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ وقال تعالى هاهنا: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾ أي: عند الله يوم القيامة.

وقد ذكر عطاء بن يَسَار والسدي وغيرهما: أنها نزلت في علي بن أبي طالب، وعقبة بن أبي مُعَيط. ولهذا فَصَّل حكمهم فقال: ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، أي: صدقت قلوبهم بآيات الله وعملوا بمقتضاها، وهي الصالحات، ﴿فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى﴾، أي: التي فيها المساكن والدور والغرف العالية، ﴿نُزُلًا﴾، أي: ضيافة وكرامة ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا﴾، أي: خرجوا عن الطاعة، ﴿فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا﴾، [كقوله: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا … ﴾ الآية [١] قال الفُضَيل بن عياض: والله إن الأيدي لموثقة، وإن الأرجل لمقيدة، وإن اللهب ليرفعهم والملائكة تقمعهم.

﴿وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ أي: يقال لهم ذلك [٢] تقريعًا وتوبيخًا.

وقوله: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾، قال ابن عباس: يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها، وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه. ورُوي مثله عن أبيّ بن كعب، [وأبي العالية] [٣]، والحسن، وإبراهيم النخَعي، والضحاك، وعلقمة، وعطية، ومجاهد، وقتادة، وعبد الكريم الجزَري، وخصيف.

وقال ابن عباس في رواية عنه: يعني به إقامة الحدود عليهم.

وقال البراء بن عازب، ومجاهد، وأبو عبيدة: يعني به عذاب القبر.

وقال النسائي (٢٤): أخبرنا عمرو بن علي، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص وأبي عبيدة، عن عبد الله: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾، قال: سنون أصابتهم.


(٢٤) النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٣٩٥).