للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾، أي: امش مشيًا مقتصدًا ليس بالبطيء [١] المتثبط، ولا بالسربع المفرط، بل عدلًا وسطًا بينَ بينَ.

وقوله: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾، أي: لا تبالغ في الكلام، و [٢] لا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾. قال مجاهد وغير واحد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير. أي: غاية مَن [٣] رفع صوته أنه يُشَبَّه بالحمير في علوه ورفعه، ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى. وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم، لأن رسول الله قال: "ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" (١١).

وقال النسائي عند تفسير هذه الآية: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "إذا سمعتم صياح الدِيَكة فاسألوا الله من فضله، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا".

وقد أخرجه بقية الجماعة (١٢) سوى ابن ماجة من طرق عن جعفر بن ربيعة به، وفي بعض الألفاظ: "بالليل". فالله أعلم.


(١١) - سبق تخريجه في سورة الأعراف، الآية رقم (١٧٧).
(١٢) - كتاب التفسير، باب سورة لقمان، حديث رقم (١١٣٩١). وأخرجه البخاري في صحيحه كتاب بدء الخلق، باب: "خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال" حديث رقم (٣٣٠٣)، ومسلم في صحيحه كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الدعاء عند صياح الديك حديث رقم (٢٧٢٩)، وأبو داود في سننه كتاب الأدب باب ما جاء في الديك والبهائم (٥١٠٢)، وأخرجه الترمذي في جامعه كتاب الدعوات، باب ما يقول: إذا سمع نهيق الحمار حديث رقم (٣٤٥٩)، وأخرجه النسائي في الكبرى كتاب عمل اليوم والليلة باب ما يقول إذا سمع نهيق الحمير حديث رقم (١٠٧٧٩) وما يقول إذا سمع صياح الديك حديث رقم (١٠٧٨٠)، وأما ما أشار إليه المصنف من أنه ورد في بعض الألفاظ، تقييد هذا الذكر "بالليل" فقد ورد هذا القيد في حديث جابر بن عبد الله عند أحمد (٣/ ٣٠٦)، والبخاري في الأدب المفرد برقم (١٢٣٣)، (١٢٣٥)، وابن السني في اليوم والليلة رقم (٣٠٧)، وأبو داود في كتاب الأدب من سننه، باب ما جاء في الديك والبهائم حديث رقم (٥١٠٢)، والحاكم (٤/ ٢٨٣، ٢٨٤) والبغوى في شرح السنة كتاب الدعوات باب ما يقول عند صياح الديك حديث رقم (١٣٣٤) وغيرهم من طرق عن جابر بن عبد الله بلفظ: "إذا سمعتم نباح الكلب، ونهيق الحمر بالليل فتعوذوا بالله فإنهن يرين ما لا ترون" قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا السياق".