للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: معناها: ويكأن، أي: ألم تر أن؛ قاله قتادة. وقيل: معناها: "وي كأن"، ففصلها وجعل حرف "وي [١] " للتعجب أو للتنبيه، و "كأن": بمعني: أظنّ وأحسب. قال ابن جرير: وأقوي الأقوال في هذا قول قتادة: إنها بمعني: "ألم تر أن"، واستشهد بقول الشاعر:

سَألَتَاني الطَّلاق أنْ رَأتَاني … قَلّ مالي، قَدْ [٢] جئْتُمَاني بنُكر [٣]

وَيكَأنْ مَنْ يَكُن له نَشَب يُحْـ … ـــــــــبَبْ، ومن يَفْتَقرْ يَعِشْ عَيشَ ضُرّ

﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤)

يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين، الذين لا يريدون علوًّا في الأرض، أي: ترفعًا علي خلق الله وتعاظمًا عليهم وتجبرًا بهم، ولا فسادًا فيهم. كما قال عكرمة: العلو: التجبر.

وقال سعيد بن جبير: العلو: البغي.

وقال سفيان بن سعيد الثوري: عن منصور، عن مسلم البطين: العلو في الأرض: التكبر بغير حق. والفساد: أخذ المال بغير حق.

وقال ابن جُريج: ﴿لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾. تعظمًا وتجبرًا ﴿وَلَا فَسَادًا﴾: عملًا [٤] بالمعاصي.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا أبي، عن أشعث [٥] السمان عن أبي سلام الأعرج، عن عليٍّ، قال: إنّ الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه، فيدخل في قوله: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

وهذا محمول على ما إذا أراد الفخر على غيره، [فإنّ ذلك مذموم كما ثبت في الصحيح، عن النبي، : "أنه أوحي إليّ أن تَوَاضعُوا، حتى لا يفخر أحد على


[١]- في ز، خ: "أي".
[٢]- في خ، ز: "أن".
[٣]- في ز، خ: "يبكر".
[٤]- في ز، خ: "عمل".
[٥]- في ز، خ: "أشعب".