للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَينَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)

يقول تعالى منبها على برهان نبوة محمد- حيث أخبر بالغيوب الماضية، خبرًا كأن سامعه شاهد ورَاءٍ [١]- لما تقدم، وهو رجل أمّيٌّ لا يقرأ شيئًا من الكتب، نشأ بين قوم لا يعرفون شيئًا من ذلك، كما أنه لما أخبره عن مريم وما كان من أمرها، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)﴾. أي: ما كنت حاضرًا لذلك، ولكن الله أوحاه إليك. وهكذا لما أخبره [٢] عن نوح وقومه، وما كان من [٣] إنجاء الله له وإغراق قومه.

ثم قال تعالى: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيبِ نُوحِيهَا إِلَيكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩)﴾، وقال في آخر السورة: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيكَ﴾ وقال بعد ذكر قصة يوسف: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢)﴾ وقال في سورة طه: ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَينَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (٩٩)﴾، وقال هاهنا بعد ما أخبر عن قصة موسى من أولها إلي آخرها وكيف كان ابتداء إيحاء الله إليه وتكليمه له: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَينَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾، يعني: يا محمد، ما كنت بجانب الجبل الغربيّ الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية علي شاطئ الوادي ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ لذلك، ولكن الله أوحي إليك ذلك، ليجعله حجة وبرهانًا علي قرون قد تطاول عهدها، ونسوا حجج الله عليهم وما أوحاه إلي الأنبياء المتقدمين.

وقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاويًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيهِمْ آيَاتِنَا﴾ أي: وما كنت مقيمًا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا حين أخْبرتَ عن نبيها شعيب، وما قال لقومه، وما ردوا عليه، ﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾، أي: ولكن نحن أوحينا إليك ذلك، وأرسلناك للناس رسولا.

﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَينَا﴾. قال أبو عبد الرحمن النسائي في التفسير من سننه: أخبرنا علي بن حُجْر، أخبرنا عيسى - وهو ابن يونس - عن حمزة الزيات، عن الأعمش، عن عليّ بن مدرك، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة : ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَينَا﴾، قال: نودوا: يا أمة محمد، أعطيتكم قبل أن تسألوني، وأجبتكم قبل أن تدعوني.


[١]- في ز، خ: "ورائي".
[٢]- في ز، خ: "أخبر".
[٣]- في ز، خ: "بين".