للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولبسوا السلاح، وقالوا لهم: والله لا تقتلونهم [١] أبدًا، وقد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث، بأن كان صادقًا فلا تزيدوا ربكم عليكم غضبًا، وإن كان كاذبًا فأنتم [٢] من وراء ما تريدون. فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك.

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: لما عقروا الناقة وقال لهم صالح: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيرُ مَكْذُوبٍ﴾، قالوا: زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاثة أيام، فنحن نفرغ منه وأهله قبل ثلاث. وكان لصالح مسجد في الحِجر عند شعب هناك يصلي فيه، فخرجوا إلى كهف -أي: غار- هناك ليلًا، فقالوا: إذا جاء يصلي قتلناه، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله، ففرغنا منهم، فبعث الله صخرة من الهضَب حيالهم، فخشوا أن تشدخهم فتبادروا [٣]، فانطقبت عليهم الصخرة وهم في ذلك الغار، فلا يدري قومهم أين هم، ولا يدرون ما فعل بقومهم، فعذب الله [٤] هؤلاء هاهنا، وهؤلاء هاهنا، وأنجى الله صالحًا ومن معه، ثم قرأ: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاويَةً﴾، أي: فارغة ليس فيها أحد ﴿بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَينَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.

﴿وَلُوطًا إِذْ قَال لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَال شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَينَاهُ وَأَهْلَهُ إلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنَا عَلَيهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨)

يخبر تعالى عن عبده لوط : أنه أنذر قومه نقمة الله بهم، في فعلهم الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، وهي إتيان الذكور دون الإناث، وذلك فاحشة عظيمة: استغنى [٥] الرجال بالرجال، والنساء بالنساء. قال: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾، أي: هي بعضكم بعضًا، وتأتون في ناديكم المنكر؟ ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَال شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ أي: لا تعرفون شيئًا لا طبعًا ولا شرعًا، كما قال في الآية الأخرى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ


[١]- في ت: "تقتلوه".
[٢]- في ز، خ: "فإنهم".
[٣]- في ز، خ: "فبادروا".
[٤]- سقط من: ز، خ.
[٥]- في ز، خ: "استغلا". كذا.