للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عظمة سلطانه وتمكنه، فلما رأت ما آتاه الله - تعالى - وجلالة ما هو فيه، وتبصرت في أمره - انقادت لأمر الله، وعَرَفت أنَّه نبيّ كريم، وملك عظيم، فأسلمت لله ﷿؛ وقالت: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ أي: بما [١] سلف من كفرها، وشركها، وعبادتها وقومها الشمس من دون الله، ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾، أي: متابعة لدين سليمان في عبادته لله وحده، لا شريك له، الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا.

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قَال يَاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَال طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧)

يخبر تعالى عن ثمود وما كان من أمرها مع نبيها صالح حين بعثه الله إليهم، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾، قال مجاهد: مؤمن وكافر، كقوله تعالى: ﴿قَال الْمَلَأُ [٢] الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قَال الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٧٦)﴾.

﴿قَال يَاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾، أي: لم تدعون بحضور [٣] العذاب، ولا تطلبون من الله رحمته؟! ولهذا قال: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ﴾، أي: ما رأينا على وجهك ووجوه من اتبعك خيرًا. وذلك أنهم لشقائهم - كان لا يصيب أحدًا منهم سوء إلَّا قال: هذا من قِبَلِ صالح وأصحابه.

قال مجاهد: تشاءموا بهم. وهذا كما قال تعالى إخبارًا عن قوم فرعون: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾، أي: بقدر الله وقضائه. وقال مخبرًا عن أهل القرية إذ جاءها المرسلون: ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾. وقال هؤلاء: ﴿اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَال طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾، أي: الله [٤] يجازيكم على ذلك ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾، قال قَتَادة: تبتلون بالطاعة والمعصية.


[١]- في خ، ز: "مما".
[٢]- سقط من: ز، خ.
[٣]- في خ، ز: "بحضون".
[٤]- سقط من: خ، ز.