فبدرُوه الكلام، فقالوا: ما رأينا كاليوم في السحر. فسكت رسول الله، ﷺ. ثم قال [لي][١]: "اصنع رجل شاة بصاع من طعام". [فصنعت، قال][٢]: فدعاهم، فلما أكلوا وشربوا [قال: فبدروه فقالوا مثل مقالتهم الأولى، فسكت رسول الله ﷺ ثم قال لي:"اصنع رجل شاة بصاع من طعام". فصنعت، قال: فجمعتهم، فلما أكلوا وشربوا] [٣] بَدَرهم رسول الله ﷺ الكلام فقال: "أيكم يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي؟ ". قال: فسكتوا وسكت العباس خشية أن يحيط ذلك بماله، قال: وسكتّ أنا لسنّ العباس. ثم قالها مرة أخرى فسكت العباس، فلما رأيت ذلك قلت: أنا يا رسول الله. قال: وإني يومئذ لأسوأهم هيئة وإني لأعمش العينين، ضخم البطن، حَمش الساقين.
فهذه طرق متعددة لهذا الحديث عن عليّ ﵁. ومعنى سؤاله ﵊ لأعمامه وأولادهم أن يقضوا عنه دينه، ويخلفوه في أهله، يعني: إن قتل في سبيل الله، كأنه خشي إذا قام بأعباء الإنذار أن يقتل، ولما أنزل الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾. فعند ذلك أمِن، وكان أولًا يحرس حتى نزلت هذه الآية: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، ولم يكن في بني هاشم إذ ذاك أشدّ إيمانًا وإيقانًا وتصديقًا لرسول الله، ﷺ، من عليّ ﵁، ولهذا بدرهم إلى التزام ما طلب منهم رسول الله، ﷺ، ثم كان بعد هذا - والله أعلم - دعاؤه الناس جَهرة على الصفا، وإنذاره لبطون قريش عمومًا وخصوصًا، حتى سمَّى من سمَّى من أعمامه وعماته وبناته؛ لينبه بالأدنى على الأعلى، أي: إنما أنا نذير، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقد روى الحافظ ابن عساكر (٢٧) في ترجمة عبد الواحد الدمشقي - غير منسوب - من طريق عمرو بن سمُرة. عن محمد بن سوقة، عن عبد الواحد الدمشقي؛ قال: رأيت أبا الدرداء ﵁ يحدث الناس ويفتيهم، وولده إلى جنبه، وأهل بيته جلوس في جانب المسجد يتحدثون، فقيل له: ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم، وأهل بيتك جلوس لاهين؟ فقال: لأني سمعت رسول الله،ﷺ يقول:"أزهد الناس في الدنيا الأنبياء، وأشدهم عليهم [٤] الأقربون". وذلك فيما أنزل الله ﷿:[﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ الآية، ثم قال: إن أزهد الناس في العالم أهله حتى يفارقهم؛ ولهذا قال][٥]: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ