أحسنها وأشد تراكمها! قال:"فكيف ترون قواعدها (*)؟ ". قالوا: ما أحسنها وأشد تمكنها قال: "فكيف ترون جَونها (**)؟ "[١]؟ قالوا: ما أحسنه وأشد سواده! قال: "فكيف ترون رحاها استدارت؟ " قالوا: ما أحسنها وأشد استدارتها! قال: "فكيف ترون برقها؟ أوميض، أم خَفْو [٢]، أم يَشق شَقًّا؟ ". قالوا: بل يشق شقًّا. قال:"الحياء الحياء إن شاء الله". قال: فقال رجل: يا رسول الله، بأبي وأمي ما أفصحك [٣]! ما رأيت الذي هو أعرب منك. قال: فقال: "حُق لي، وإنما نزل [٤] القرآن بلساني، والله يقول: ﴿بلسان عربيّ مبين﴾ "(١١).
وقال سفيان الثوري: لم ينزل وحي إلا بالعربية، ثم تَرجم كل نبي لقومه، واللسان يوم القيامة بالسريانية، فمن دخل الجنة تكلم بالعربية. رواه ابن أبي حاتم.
يقول تعالى: وإن ذكر هذا القرآن والتنويه به لَموجود في كتب الأولين المأثورة عن أنبيائهم الذين بشروا به في قديم الدهر وحديثه، كما أخذ الله عليهم الميثاق بذلك حتى قام آخرهم خطيبًا في ملئه بالبشارة بأحمد: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ والزُبُر هاهنا هي الكتب وهي جمع زبُور [٥]، وكذلك الزبور، وهو كتاب داود، وقال تعالى: ﴿وكل شيء فعلوه في الزبر﴾، أي: مكتوب عليهم في صحف الملائكة.
ثم قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، أي: أَوَ ليس يكفيهم [٦] من الشاهد الصادق على ذلك: أن العلماء من بني إسرائيل يجدون ذكر هذا القرآن في كتبهم التي يدرسونها؟ والمراد العدول منهم، الذين يعترفون بما في أيديهم من صفة محمد ﷺ ومبعثه وأمته، كما أخبر بذلك مَن آمن منهم كعبد الله بن
(١١) ورواه الرامهرمزي في أمثال الحديث ص (١٥٥) من طريق عبد الله بن محمد الأموي، عن عباد بن عباد المهلبي به.