هذا حديث غريب جدًّا والأقرب أنه موقوف، والله أعلم.
فلما أصبحوا وليس في ناديهم [١] داع ولا مجيب، غاظ ذلك فرعون واشتد غضبه على بني إسرائيل، لما يريد الله به من الدمار، فأرسل سريعًا في بلاده حاشرين. أي: من يحشرُ الجندَ ويجمعه، كالنُّقَباء والحُجَّاب، ونادى فيهم: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ﴾ -يعني: بني إسرائيل- ﴿لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾. أي: لطائفة قليلة، ﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾، أي: كل وقت يصل لنا منهم ما يغيظنا، ﴿وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾. أي: نحن كل وقت نحذر من غائلتهم، وإني أريد أن أستأصل شأفتهم، وأبيد خَضْراهم. فجوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم، قال الله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾. أي: فخرجوا من هذا النعيم إلى الجحيم، و [٢] تركوا تلك المنازل العالية، والبساتين والأنهار، والأموال، والأرزاق، والملك، والجاه الوافر في الدنيا. ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، كما قال تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾.
ذكر ذلك غير واحد من المفسرين: أن فرعون خرج في جحفل عظيم وجمع كبير، هو عبارة عن مملكة الديار المصرية في زمانه، أولي الحل والعقد والدول، من الأمراء والوزراء
= في المستدرك (٢/ ٥٧١) من طريق محمد بن فضيل، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى به. وقال الهيثمي في المجمع (١٠/ ١٧٠): "رجال أبي يعلى رجال الصحيح".