للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واجتهد [١] الناس في الاجتماع ذلك اليوم، وقال قائلهم: ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾. ولم يقولوا: نتبع الحق سواء كان من السحرة أو من موسى، بل الرعية على دين ملكهم. ﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ﴾. أي: إلى مجلس فرعون وقد ضرب له وطاقًا (*) وجمع حشمه وخدمه وأمراءه [٢] ووزراءه ورؤساء دولته وجنود مملكته. فقام السحرة بين يدي فرعون، يطبون منه الإحسان إليهم والتقرب إليه إن غلبوا. أي: هذا الذي جمعتنا من أجله فقالوا: ﴿أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (٤١) قَال نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾. أي: وأخص مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي. فعادوا إلى مقام المناظرة، ﴿قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) قَال بَلْ أَلْقُوا﴾. وقد اختصر هذا هاهنا. فقال: ﴿قَال [٣] لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبَالهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾. وهذا كما يقوله الجهلة من العوام إذا فعلوا شيئًا: هذا بثواب فلان. وقد ذكر الله في "سورة الأعراف": أنهم ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾. وقال في "سورة طه": ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيثُ أَتَى﴾.

وقال هاهنا: ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾. أي: تخطفه [وتجمعه] [٤] من كل بقعة وتبتلعه فلم تدع منه شيئًا، قال تعالى: ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (١٢٠) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾.

وكان هذا أمرًا عظيمًا جدًّا، وبرهانًا قاطعًا للعذر وحجة دامغة، وذلك أن الذين [٥] استنصر بهم وطلب منهم أن يَغلبوا قد [٦] غُلبوا وخضعوا وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة، وسجدوا لله رب العالمين، الذي أرسل موسى وهارون بالحق والمعجزة الباهرة، فَغُلِب فرعون غَلبًا لم يشاهد العالم مثله، وكان وقحًا جريئًا عليه لعنة الله! فعدل إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل، فشرع يتهددهم ويتوعدهم، ويقول: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾، وقال: ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.

﴿قَال آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ


[١]- في ز، خ: "وحشر".
(*) كذا، ولا أدري ما معناها.
[٢]- سقط من: ت.
[٣]- سقط من: ت.
[٤]- ما بين المعكوفتين مكرر في ز.
[٥]- في ز، خ: "الذي".
[٦]- في خ: "منهم"، وفي ز: "منه".