﴿وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ﴾، أي: من خوفه ورهبته ﴿مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ﴾، أي: من ادعى منهم أنه إله من دون الله، أي: مع الله، ﴿فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾، أي: كل من قال ذلك، وهذا [شرط، و][١] الشرط لا يلزم وقوعه، كقوله: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ وقوله: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ][٢]﴾.
يقول تعالى منبهًا في قدرته التامة، وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء، وقهره لجميع المخلوقات، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [أي: الجاحدون لإلهيته، العابدون][٣] معه غيره، ألم يعلموا أن الله هو المستقل بالخلق، المستبد بالتدبير، فكيف يليق أن يعبد غيره، أو يشرك به ما سواه؟! ألم يروا ﴿أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ أي: كان الجميع متصلًا بعضه ببعض متلاصق، متراكم، بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، فَفَتَق هذه من هذه، فجعل السماوات سبعًا والأرض سبعًا، وفصل بين [سماء][٤] الدنيا والأرض بالهواء، فأمطرت السماء، وأنبتت الأرض، ولهذا قال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾، أي: وهم يشاهدون المخلوقات تحدث شيئًا فشيئًا عيانًا، وذلك كله دليل على وجود الصانع، الفاعل المختار، القادر على ما يشاء.
ففي كل شيء له آية … تدل على أنه واحد
قال سفيان الثوري عن أبيه، عن عكرمة قال: سئل ابن عباس: الليل كان قبل أو النهار؟ فقال: أرأيتم السماوات والأرض حين كانتا رتقًا، هل كان بينهما إلا ظلمة؟ ذلك لتعلموا أن الليل قبل النهار (٦).
(٦) - ذكره السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٥٦٩) وعزاه إلى عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ.