للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ﴾، أي: من خوفه ورهبته ﴿مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ﴾، أي: من ادعى منهم أنه إله من دون الله، أي: مع الله، ﴿فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾، أي: كل من قال ذلك، وهذا [شرط، و] [١] الشرط لا يلزم وقوعه، كقوله: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ وقوله: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ] [٢]﴾.

﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)

يقول تعالى منبهًا في قدرته التامة، وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء، وقهره لجميع المخلوقات، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [أي: الجاحدون لإلهيته، العابدون] [٣] معه غيره، ألم يعلموا أن الله هو المستقل بالخلق، المستبد بالتدبير، فكيف يليق أن يعبد غيره، أو يشرك به ما سواه؟! ألم يروا ﴿أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ أي: كان الجميع متصلًا بعضه ببعض متلاصق، متراكم، بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، فَفَتَق هذه من هذه، فجعل السماوات سبعًا والأرض سبعًا، وفصل بين [سماء] [٤] الدنيا والأرض بالهواء، فأمطرت السماء، وأنبتت الأرض، ولهذا قال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾، أي: وهم يشاهدون المخلوقات تحدث شيئًا فشيئًا عيانًا، وذلك كله دليل على وجود الصانع، الفاعل المختار، القادر على ما يشاء.

ففي كل شيء له آية … تدل على أنه واحد

قال سفيان الثوري عن أبيه، عن عكرمة قال: سئل ابن عباس: الليل كان قبل أو النهار؟ فقال: أرأيتم السماوات والأرض حين كانتا رتقًا، هل كان بينهما إلا ظلمة؟ ذلك لتعلموا أن الليل قبل النهار (٦).


(٦) - ذكره السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٥٦٩) وعزاه إلى عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ.