للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأرض، ثم كانت منه نظرة، فإذا أعظم ثعبان نظر إليه الناظرون، فَدَبَّ يلتمس كأنَّه يبتغي شيئًا يريد أخذه، يمر بالصخرة مثل الخَلِفَة [١] من الإِبل فيلتقمها، وطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها، عيناه توقدان نارًا، وقد عاد المحجن منها عرفًا [٢]، قيل: شعره مثل النيازك، وعاد الشعبتان منها مثل القليب الواسع، فيه أضراس وأنياب لها صريف [٣]، فلما عاين ذلك موسى ولى مدبرًا ولم يعقب، فذهب حتَّى أمعن ورأى أنَّه قد أعجز الحية، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه، ثم نودي: يا موسى أن ارجع حيث كنت، فرجع موسى وهو شديد الخوف. فقال: (﴿خُذْهَا﴾ بيمينك ﴿وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ وعلى موسى حينئذ مَدْرَعة من صوف، فدخلها بخلال من عيدان، فلما أمره بأخذها أدلى طرف المدرعة على يده، فقال له ملك: أرأيت [٤] يا موسى، لو أذن الله بما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئًا؟ قال: لا، ولكني ضعيف، ومن ضعف خاف [٥]. فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية، حتَّى سمع حس الأضراس والأنياب، ثم قبض، فإذا هي عصاه التي عهدها، وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها إذا توكأ بين الشعبتين. ولهذا قال تعالى: ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ أي: إلى حالها التي تعرف قبل ذلك.

﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيضَاءَ مِنْ غَيرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (٢٣) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٢٤) قَال رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَي نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (٣٥)

وهذا برهان ثان لموسى وهو أن الله أمره أن يدخل يده في جيبه، كما صرح به في الآية الأخرى، وهاهنا [عيَّن تلك] [٦] بقوله: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ﴾. وقال في مكان آخر: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ


[١]- الخلفة: الحامل من النوق. النهاية [٢/ ٦٨].
[٢]- المحجن: العصا المموجة.
[٣]- الصريف: صوت ناب البعير. النهاية [٣/ ٢٥].
[٤]- في ز: "أورأيت".
[٥]- في ت: "خلقت".
[٦]- في ت: "عبر عن ذلك".