للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلنَّاسِ﴾ أي: دلالة وعلامة للناس علي قدرة بارئهم وخالقهم، الذي نوع [١] في خلقهم، فخلق أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق بقية الذربة من ذكر وأنثى إلا عيسى، فإنه أوجده من أنثى بلا ذكر، فتمت القسمة الرباعية، الدالة على كمال قدرته وعطم سلطانه، فلا إله غيره ولا رب سواه.

وقوله: ﴿وَرَحْمَةً مِنَّا﴾ أي: ونجعل هذا الغلام -رحمة من الله- نبيًّا من الأنبياء، يدعو إلى عبادة الله تعالى وتوحيده، كما قال تعالى في الآية الآخرى: ﴿إِذْ قَالتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أي: يدعوا إلى عبادة الله ربه في مهده وكهولته.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم -دُحَيم-[٢] حدثنا مروان، حدثنا العلاء بن الحارث الكوفي، عن مجاهد (٦١) قال: قالت مريم : كنت إذا خلوت حدثني عيسى، وكلمني وهو في بطني، وإذا كنت مع الناس سبح في بطني وكبر.

وقوله: ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ يحتمل أن هذا من [تمام] [٣] كلام جبريل لمريم، يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم الله تعالى وقدرته ومشيئته، ويحتمل أن يكون من خبر الله تعالى لرسوله محمد [٤]، ، وأنه كني بهذا عن النفخ في فرجها، كما قال تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ وقال: ﴿والَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾. قال محمد بن إسحاق (٦٢): ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ أي: إن الله قد عزم على هذا فليس منه بد. واختار هذا [] [٥] ابن جرير في تفسيره، ولم يحك غيره، والله أعلم.

﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالتْ يَاليتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾


(٦١) - أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو نعيم، كما ذكر ذلك السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٤٧٩).
(٦٢) - أخرجه الطبري (١٦/ ٦٢).